والنوشادر قد يتخذ من الشعير وكذلك كثير من الزاجات ثم بتقدير أن لا نجد له مثالا لا يلزم الجزم بنفيه ولا يلزم من إمكان حصول الأمر الطبيعي بالصناعة إمكان عكسه بل الأمر فيه موقوف على الدليل.
وعن الرابع بأن من أراد أن يقلب النحاس فضة فهو لا يكون كالمحدث للشيء بل كالمعالج للمريض، فإن النحاس من جوهر الفضة إلا أن فيه عللا وأمراضا وكما يمكن المعالجة لا في موضع التكون فكذلك في هذا الموضع، على أن حاصل الدليل أن الذي يتكون في الجبال لا يمكن تكونه بالصناعة، وفيه وقع النزاع، وابن خلدون بعد أن ذكر كلام ابن سينا ورد الطغرائي عليه قال: لنا في الرد على أهل هذه الصناعة مأخذ آخر يتبين منه استحالة وجودها وبطلان زعمهم أجمعين، وذلك أن حاصل علاجهم أنهم بعد الوقوف على المادة المستعدة بالاستعداد الأول يجعلونها موضوعا ويحاذون في تدبيرها وعلاجها تدبير الطبيعة للجسم في المعدن حتى أحالته ذهبا أو فضة ويضاعفون القوى الفاعلة والمنفعلة ليتم في زمان أقصر لأنه تبين في موضعه أن مضاعفة قوة الفاعل تنقص من زمن فعله وتبين أن الذهب إنما يتم كونه في معدنه بعد ألف وثمانين من السنين دورة الشمس الكبرى فإذا تضاعفت القوى والكيفيات في العلاج كان زمان كونه أقصر من ذلك ضرورة على ما قلناه أو يتحرون بعلاجهم ذلك حصول صورة مزاجية لتلك المادة تصيرها كالخميرة للخبز تقلب العجين إلى ذاتها وتعمل فيه ما حصل لها من الانتفاش والهشاشة ليحسن هضمه في المعدة ويستحيل سريعا إلى الغذاء فتفعل تلك الصورة الأفاعيل المطلوبة، وذلك هو الإكسير، واعلم أن كل متكون من المولدات العنصرية لا بد فيه من اجتماع العناصر الأربعة على نسبة متفاوتة إذ لو كانت متكافئة في النسبة لما حصل امتزاجها فلا بد من الجزء الغالب على الكل، ولا بد في كل ممتزج من المولدات من حرارة غريزية هي الفاعلة لكونها الحافظة لصورته ثم كل متكون في زمان لا بد من اختلاف أطواره وانتقاله في زمن التكوين من طور إلى طور حتى ينتهي إلى غايته، وانظر شأن الإنسان في تطوره نطفة ثم علقة ثم وثم إلى نهايته ونسب الأجزاء في كل طور مختلف مقاديرها وكيفياتها وإلا لكان الطور الأول بعينه هو الآخر، وكذا الحرارة المقدرة الغريزية في كل طور مخالفة لما في الطور الآخر، فانظر إلى الذهب ما يكون في معدنه من الأطوار منذ ألف سنة وثمانين، وما ينتقل فيه من الأحوال فيحتاج صاحب الكيمياء أن يساوق فعل الطبيعة في المعدن ويحاذيه بتدبيره وعلاجه إلى أن يتم، ومن شرط الصناعة مطلقا تصور ما يقصد إليه بها، فمن الأمثال السائرة في ذلك للحكماء أول العمل آخر الفكرة وآخر الفكرة أول العمل فلا بد من تصور هذه الحالات للذهب في أحواله المتعددة ونسبها المتفاوتة في كل طور وما ينوب عنه من مقدار القوى المتضاعفة ويقوم مقامه حتى يحاذي بذلك فعل الطبيعة في المعدن أو يعد لبعض المواد صورة مزاجية تكون كصورة الخميرة للخبز وتفعل في هذه المادة بالمناسبة لقواها ومقاديرها.
وهذه كلها إنما يحصرها العلم المحيط وهو علمه عز وجل، والعلوم البشرية قاصرة عن ذلك، وإنما حال من يدعي حصوله على الذهب بهذه الصناعة بمثابة من يدعي صنعة تخليق الإنسان من المني ونحن إذا سلمنا الإحاطة بأجزائه ونسبه وأطواره وكيفية تخليقه في رحمه وعلم ذلك علما محصلا لتفاصيله حتى لا يشذ من ذلك شيء عن علمه سلمنا له تخليق هذا الإنسان وأنى له ذلك. والحاصل أن الفعل الصناعي على ما يقتضيه كلامهم مسبوق بتصورات أحوال الطبيعة المعدنية التي تقصد مساواتها ومحاذاتها، وفعل المادة ذات القوى فيها على التفصيل وتلك الأحوال لا نهاية لها والعلم البشري عاجز عما دونها، فقصد تصيير النحاس ذهبا كقصد تخليق إنسان أو حيوان أو نبات، وهذا أوثق ما علمته من البراهين الدالة على الاستحالة، وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول ولا من جهة الطبيعة وإنما هي من تعذر الإحاطة وقصور البشر عنها، وما ذكره ابن سينا بمعزل عن ذلك، ولذلك وجه آخر في