وقرأ أبو جعفر في رواية «ولا تسأل» بتاء الخطاب والجزم «المجرمين» بالنصب، وقرأ أبو العالية وابن سيرين وَلا تُسْئَلُ كذلك ولم ندر أنصبا المجرمين كأبي جعفر أم رفعاه كما هو في قراءة الجمهور، والظاهر الأول، وجوز صاحب اللوامح الثاني، وذكر له وجهين: الأول أن يكون ضمير ذنوبهم للمهلكين من القرون وارتفاع المجرمين بإضمار المبتدأ أي هم المجرمون، والثاني أن يكون المجرمون بدلا من ضمير ذنوبهم باعتبار أن أصله الرفع لأن إضافة ذنوب إليه بمنزلة إضافة المصدر إلى اسم الفاعل وأورد على هذا أن ذنوب جمع فإن كان جمع مصدر ففي إعماله خلاف.
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ عطف على قال وما بينهما اعتراض، وقوله تعالى: فِي زِينَتِهِ إما متعلق بخرج أو بمحذوف هو حال من فاعله أي فخرج عليهم كائنا في زينته. قال قتادة: ذكر لنا أنه خرج هو وحشمه على أربعة آلاف دابة عليهم ثياب حمر منها ألف بغلة بيضاء وعلى دوابهم قطائف الأرجوان. وقال السدي: خرج في جوار بيض على سروج من ذهب على قطف أرجوان وهن على بغال بيض عليهن ثياب حمر وحلي ذهب، وقيل: خرج على بغلة شهباء عليها الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف خادم عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعلى يمينه ثلاثمائة غلام وعلى يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلي والديباج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات، وكان ذلك أول يوم في الأرض رئيت المعصفرات فيه، وقيل غير ذلك من الكيفيات، وكان ذلك الخروج على ما قيل يوم السبت قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ قيل كانوا جماعة من المؤمنين، وقالوا ذلك جريا على سنن الجبلة البشرية من الرغبة في السعة واليسار. وعن قتادة أنهم تمنوا ذلك ليتقربوا به إلى الله تعالى وينفقوه في سبيل الخير، ولعل إرادتهم الحياة الدنيا ليتوصلوا بها للآخرة لا لذاتها فإن إرادتها لذاتها ليست من شأن المؤمنين، وقيل:
كانوا كفارا ومنافقين، وتمنيهم مثل ما أوتي دونه نفسه من باب الغبط ولا ضرر فيه على المشهور، وقيل: ضرره دون ضرر الحسد
«فقد قيل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هل يضر الغبط؟ فقال: لا إلا كما يضر العضاه الخبط»
وفي الكشف الظاهر أنه نفي للضرر على أبلغ وجه فإن الشجر ربما ينتفع بالخبط فضلا عن التضرر، وفيه أنه قد يفضي إلى الضرر إشارة إلى متعلق الغبط من ديني أو دنيوي، وقائل ذلك إن كان الكفرة ففيه من ذم الحسد ما فيه إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ قال الضحاك: أي درجة عظيمة، وقيل نصيب كثير من الدنيا، والحظ البخت والسعد، ويقال: فلان ذو حظ وحظيظ ومحظوظ، والجملة تعليل لتمنيهم وتأكيد له وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي بأحوال الدنيا والآخرة كما ينبغي ومنهم يوشع عليه السلام، وإنما لم يوصفوا بإرادة ثواب الآخرة تنبيها على أن العلم بأحوال النشأتين يقتضي الإعراض عن الأولى والإقبال على الأخرى حتما، وأن تمني المتمنين ليس إلا لعدم علمهم بهما كما ينبغي.
وقيل المراد بالعلم: معرفة الثواب والعقاب، وقيل: معرفة التوكل، وقيل: معرفة الأخبار، وما تقدم أولى وَيْلَكُمْ دعاء بالهلاك بحسب الأصل ثم شاع استعماله في الزجر عما لا يرتضى، والمراد به هنا الزجر عن التمني وهو منصوب على المصدرية لفعل من معناه ثَوابُ اللَّهِ في الآخرة خَيْرٌ مما تتمنونه لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فلا يليق بكم أن تتمنوه غير مكتفين بثوابه عز وجل، هذا على القول بأن المتمنين كانوا مؤمنين أو فآمنوا لتفوزوا بثوابه تعالى الذي هو خير من ذلك، وتقدير المفضل عليه ما تتمنوه لاقتضاء المقام إياه، ويجوز أن يقدر عاما ويدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا أي خير من الدنيا وما فيها وَلا يُلَقَّاها أي هذه المقالة أو الكلمة التي تكلم بها العلماء، والمراد بها المعنى اللغوي أو الثواب، والتأنيث باعتبار أنه بمعنى المثوبة أو الجنة المفهومة من الثواب، وقيل: