للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أي أوجب عليك العمل به كما روي عن عطاء وعن مجاهد أي أعطاكه، وعن مقاتل وإليه ذهب الفراء وأبو عبيدة أي أنزله عليك والمعول عليه ما تقدم.

لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ أي إلى محل عظيم القدر اعتدت به وألفته على أنه من العادة لا من العود، وهو كما في صحيح البخاري، وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس مكة، وروي ذلك أيضا عن مجاهد والضحاك وجوز أن يكون من العود، والمراد به مكة أيضا بناء على ما في مجمع البيان عن القتيبي أن معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه، وقد يقال: أطلق المعاد على مكة لأن العرب كانت تعود إليها في كل سنة لمكان البيت فيها، وهذا وعد منه عز وجل لنبيه صلّى الله تعالى عليه وسلّم وهو بمكة أنه عليه الصلاة والسلام يهاجر منها ويعود إليها، وروي عن غير واحد أن الآية نزلت بالجحفة بعد أن خرج صلّى الله تعالى عليه وسلّم من مكة مهاجرا واشتاق إليها، ووجه ارتباطها بما تقدمها تضمنها الوعد بالعاقبة الحسنى في الدنيا كما تضمن ما قبلها الوعد بالعاقبة الحسنى في الآخرة.

وقيل: إنه تعالى لما ذكر من قصة موسى عليه السلام وقومه مع قارون وبغيه واستطالته عليهم وهلاكه ونصرة أهل الحق عليه ما ذكر جل شأنه هنا ما يتضمن قصة سيدنا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وأصحابه مع قومه واستطالتهم عليه وإخراجهم إياه من مسقط رأسه ثم إعزازه عليه الصلاة والسلام بالإعادة إلى مكة وفتحه إياها منصورا مكرما ووسط سبحانه بينهما ما هو كالتخلص من الأول إلى الثاني.

وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه عن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنه فسر المعاد بالجنة

، وأخرج تفسيره بها ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس، والتنكير عليه للتعظيم أيضا، ووجه ارتباط الآية بما قبلها أنها كالتصريح ببعض ما تضمنه ذلك.

واستشكل رده عليه الصلاة والسلام إلى الجنة من حيث إنه يقتضي سابقية كونه صلّى الله تعالى عليه وسلم فيها مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فيها.

وأجيب بالتزام السابقية المذكورة ويكفي فيها كونه صلّى الله تعالى عليه وسلّم فيها بالقوة إذ كان في ظهر آدم عليهما الصلاة والسلام حين كان فيها، وقيل: إنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم لما كان مستعدا لها من قبل كان كأنه كان فيها فالسابقية باعتبار ذلك الاستعداد على نحو ما قيل في قوله تعالى في الكفار: ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات: ٦٨] ولا يخفى ما في كلا القولين من البعد، وقريب منهما ما قيل: إن ذلك باعتبار أنه عليه الصلاة والسلام دخلها ليلة المعراج، وقد يقال: إن تفسيره بالجنة بيان لبعض ما يشعر به المعاد بأن يكون عبارة عن المحشر فقد صار كالحقيقة فيه لأنه ابتداء العود إلى الحياة التي كان المعاد عليها وجعله عظيما كما يشعر به التنوين لعظمة ما له صلّى الله تعالى عليه وسلّم فيه ومنه الجنة، فالمعاد بواسطة تنوينه الدال على التعظيم يشعر بالجنة لأنها الحاوية مما أعد له صلّى الله عليه وسلّم من الأمور العظيمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقريب من تفسيره بالمحشر تفسيره بالآخرة كما أخرج ذلك عبد بن حميد وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، وتفسيره بيوم القيامة كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وعبد بن حميد عن عكرمة إلا أنه على ما ذكر اسم زمان، وعلى ما تقدم اسم مكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>