للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما قاله بعض المحققين لما أن القول المذكور في حيز إذ إنما كان منه عليه السلام بعد ما راهق قبل الإرسال، وأنت تعلم أن قوله تعالى: وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [العنكبوت:

١٨] إلخ إذا كان من قوله عليه السلام لقومه كالنص في أن القول المحكي عنه عليه السلام كان بعد الإرسال وفي الحواشي السعدية أن ذلك إشارة إلى دفع ما عسى أن يقال: الدعوة تكون بعد الإرسال والمفهوم من الآية تقدمها عليه، وحاصله أنه ليس المراد من الدعوة ما هو نتيجة الإرسال بل ما هو نتيجة كمال العقل وتمام النظر، مع أن دلالة الآية على تقدمها غير مسلمة ففي الوقت سعة، ويجوز أن يكون القصد هو الدلالة على مبادرته عليه السلام للامتثال اهـ فتدبر.

وجوز أبو البقاء، وابن عطية أن يكون نصبا بالعطف على مفعول أنجيناه وهو كما ترى، والأوفق بما يأتي إن شاء الله تعالى من قوله تعالى: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً [الأعراف: ٨٥، هود: ٨٤، العنكبوت: ٣٦] أن يكون النصب بالعطف على نوحا وقرأ أبو حنيفة، والنخعي وأبو جعفر وإبراهيم بالرفع على أن التقدير ومن المرسلين إبراهيم، وقيل: التقدير ومما ينبغي ذكره إبراهيم، وقيل: التقدير وممن أنجينا إبراهيم، وعلى الأول المعول لدلالة ما قبل وما بعد عليه، ويتعلق بذلك المحذوف إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده وَاتَّقُوهُ أن تشركوا به سبحانه شيئا ذلِكُمْ أي ما ذكر من العبادة والتقوى خَيْرٌ لَكُمْ من كل شيء فيه خيرية أو مما أنتم عليه على تقدير الخيرية فيه على زعمكم، ويجوز كون خير صفة لا اسم تفضيل إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي الخير والشر وتميزون أحدهما من الآخر، أو إن كنتم تعلمون شيئا من الأشياء بوجه من الوجوه فإن ذلك كاف في الحكم بخيرية ما ذكر من العبادة والتقوى إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً بيان لبطلان دينهم وشريته في نفسه بعد بيان شريته بالنسبة إلى الدين الحق، أي ما تعبدون من دونه تعالى إلا أوثانا هي في نفسها تماثيل مصنوعة لكم ليس فيها وصف غير ذلك وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أي وتكذبون كذبا حيث تسمونها آلهة وتدعون أنها شفعاؤكم عند الله سبحانه أو تعملونها وتنحتونها للإفك والكذب، واللام لام العاقبة وإلا فهم لم يعملوها لأجل الكذب، وجوز أن يكون ذلك من باب التهكم. وقال بعض الأفاضل: الأظهر كون إفكا مفعولا به والمراد به نفس الأوثان وجعلها كذبا مبالغة، أو الإفك بمعنى المأفوك وهو المصروف عما هو عليه، وإطلاقه على الأوثان لأنها مصنوعة وهم يجعلونها صانعا. وقرأ علي كرّم الله تعالى وجهه والسلمي وعون العقيلي وعبادة وابن أبي ليلى وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «تخلّقون» بفتح التاء والخاء واللام مشددة، قال ابن مجاهد: ورويت عن ابن الزبير وأصله تتخلقون فحذفت إحدى التاءين وهو من تخلق بمعنى تكذب وصيغة التكلف للمبالغة. وزعم بعضهم جواز أن يكون تفعل بمعنى فعل، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أيضا «تخلقون» من خلق بالتشديد للتكثير في الخلق بمعنى الكذب والافتراء، وقرأ ابن الزبير وفضيل بن زرقان «أفكا» بفتح الهمزة وكسر الفاء على أنه مصدر كالكذب واللعب أو وصف كالحذر وقع صفة لمصدر مقدر أي خلقا أفكا أي ذا أفك إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً بيان لشرية ما يعبدونه من حيث إنه لا يكاد يجديهم نفعا، ورِزْقاً يحتمل أن يكون مصدرا مفعولا به ليملكون، والمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق، وأن يكون بمعنى المرزوق أي لا يستطيعون، إيتاء شيء من الرزق وجوز على المصدرية أن يكون مفعولا مطلقا ليملكون من معناه ولمحذوف والأصل لا يملكون أن يرزقوكم رزقا وهو كما ترى ونكر. وقال بعض الأجلة: للتحقير والتقليل مبالغة في النفي، وخص الرزق لمكانته من الخلق فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ أي كله على أن تعريف الرزق للاستغراق. قال الطيبي: هذا من المواضع التي ليست المعرفة المعادة عين الأول فيها، وجوز أن تكون عين الأول بناء

<<  <  ج: ص:  >  >>