لا على جميع المؤمنين عند حضور أحدهم الموت لأن «أحدكم» يفيد العموم على سبيل البدل فمعنى إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ إذا حضر واحدا بعد واحد، وإنما زيد لفظ- أحد- للتنصيص على كونها فرض عين لا كفاية كما في كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى والقول بأن الوصية لم تفرض على من- حضره الموت- فقط بل عليه بأن يوصي، وعلى الغير بأن يحفظ ولا يبدل، ولهذا قال: عَلَيْكُمْ وقال أَحَدَكُمُ لأن الموت يحضر أحد المخاطبين بالافتراض عليهم ليس بشيء لأن حفظ الوصية إنما يفرض على البعض بعد الوصية لا وقت الاحتضار فكيف يصح أن يقال فرض عليكم حفظ الوصية إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ولأن إرادة الإيصاء، وحفظه من الوصية تعسف لا يخفى، واختار بعض المحققين أن إِذا شرطية وجواب الشرط كل من الشرطين محذوف، والتقدير إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ- فليوص إن ترك خيرا- فليوص فحذف جواب الشرط الأول لدلالة السياق عليه، وحذف جواب الشرط الثاني لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه، والشرط الثاني عند صاحب التسهيل مقيد للأول كأنه قيل: إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تاركا للخير فليوص، ومجموع الشرطين معترض بين كُتِبَ وفاعله لبيان كيفية الإيصاء قبل، ولا يخفى أن هذا الوجه مع غنائه عن تكلف تصحيح الظرفية وزيادة لفظ- أحد- أنسب بالبلاغة القرآنية حيث ورد الحكم أولا مجملا ثم مفصلا ووقع الاعتراض بين الفعل وفاعله للاهتمام ببيان كيفية الوصية الواجبة انتهى. وأنت تعلم ما في ذلك من كثرة الحذف المهونة لما تقدم، ثم إن هذا الحكم كان في بدء الإسلام ثم نسخ بآية المواريث كما قاله ابن عباس وابن عمر وقتادة وشريح ومجاهد وغيرهم،
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد، والترمذي، وصححه والنسائي، وابن ماجة عن عمرو بن خارجة رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خطبهم على راحلته فقال:
«إن الله قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث فلا تجوز لوارث وصية»
وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يقول:«إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحو ذلك،
وهذه الأحاديث لتلقي الأمة لها بالقبول انتظمت في سلك المتواتر في صحة النسخ بها عند أئمتنا قدس الله أسرارهم بل قال البعض: إنها من المتواتر وإن التواتر قد يكون بنقل من لا يتصور تواطؤهم على الكذب وقد يكون بفعلهم بأن يكونوا عملوا به من غير نكير منهم على أن النسخ في الحقيقة بآية المواريث والأحاديث مبينة لجهة نسخها، وبين فخر الإسلام ذلك بوجهين «الأول» أنها نزلت بعد آية الوصية بالاتفاق وقد قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [النساء: ١١] فرتب الميراث على- وصية- منكرة- والوصية- الأولى كانت معهودة فلو كانت تلك- الوصية- باقية لوجب ترتيبه على المعهود فلما لم يترتب عليه ورتب على المطلق دل على نسخ الوصية المقيدة لأن الإطلاق بعد التقييد نسخ كما أن التقييد بعد الإطلاق كذلك لتغاير المعنيين «والثاني» أن النسخ نوعان: أحدهما ابتداء بعد انتهاء محض، والثاني بطريق الحوالة من محل إلى آخر كما في نسخ القبلة، وهذا من قبيل الثاني لأن الله تعالى فرض الإيصاء في الأقربين إلى العباد بشرط أن يراعوا الحدود، ويبينوا حق كل قريب بحسب قرابته، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
بِالْمَعْرُوفِ أي بالعدل، ثم لما كان الموصي قد لا يحسن التدبير في مقدار ما يوصي لكل واحد منهم وربما كان يقصد المضارة تولى بنفسه بيان ذلك الحق على وجه تيقن به أنه الصواب وأن فيه الحكمة البالغة، وقصره على حدود لازمة من السدس والثلث والنصف والثمن لا يمكن تغيرها فتحول من جهة الإيصاء إلى الميراث فقال:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء: ١١] أي الذي فوض إليكم تولي شأنه بنفسه إذ عجزتم عن مقاديره لجهلكم، ولما بين بنفسه ذلك الحق بعينه انتهى حكم تلك الوصية لحصول المقصود بأقوى الطرق كمن أمره غيره بإعتاق