وَقالَ إبراهيم عليه السلام مخاطبا لهم بعد أن أنجاه الله تعالى من النار.
إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها وائتلافكم كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تحابهم وتصادقهم، فالمفعول له غاية مترتبة على الفعل ومعلول له في الخارج، أو المعنى إن مودة بعضكم بعضا هي التي دعتكم إلى اتخاذها بأن رأيتم بعض من تودّونه اتخذها فاتخذتموها موافقة له لمودتكم إياه، وهذا كما يرى الإنسان من يوده يفعل شيئا فيفعله مودّة له، فالمفعول له على هذا علة باعثة على الفعل وليس معلولا له في الخارج، والمراد نفى أن يكون فيها نفع أو ضر وأن الداعي لاتخاذها رجاء النفع أو خوف الضر، وكأنه لم يعتبر ما جعلوه علة لاتخاذها علة وهو ما أشاروا إليه في قولهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: ٣] للإشارة إلى أن ذلك لكونه أمرا موهوما لا حقيقة له مما لا ينبغي أن يكون علة باعثة وسببا حاملا لمن له أدنى عقل.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون المخاطبون في هذه الآية أناسا مخصوصين، والقائلون: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى أناسا غيرهم، وقيل: إنّ الأوثان أول ما اتخذت بسبب المودة، وذلك أنه كان أناس صالحون فماتوا وأسف عليهم أهل زمانهم فصوروا أحجارا بصورهم حبا لهم فكانوا يعظمونها في الجملة ولم يزل تعظيمها يزداد جيلا