للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم الأوثان وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي يلعن كل فريق منكم ومن الأوثان حيث ينطقها الله تعالى الفريق الآخر، وفيه تغليب الخطاب وضمير العقلاء، وجوز أن يكون الخطاب للعبدة لا غير، والمراد بكفر بعضهم ببعض التناكر أي ثم يوم القيامة يظهر التناكر والتلاعن بينكم أيتها العبدة للأوثان.

وَمَأْواكُمُ النَّارُ أي هي منزلكم الذي تأوون إليه ولا ترجعون منه أبدا.

وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونكم منها كما خلصني ربي من النار التي ألقيتموني فيها، وجمع الناصرين لوقوعه في مقابلة الجمع، أي ما لأحد منكم من ناصر أصلا فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ أي صدقه عليه السلام في جميع مقالاته أو بنبوته حين ادعاها لا أنه صدقه فيما دعا إليه من التوحيد ولم يكن كذلك قبل، فإنه عليه السلام كان متنزها عن الكفر، وما قيل: إنه آمن له عليه السلام حين رأى النار لم تحرقه ضعيف رواية وكذا دراية، لأنه بظاهره يقتضي عدم إيمانه قبل وهو غير لائق به عليه السلام، وحمله بعضهم على نحو ما ذكرنا أو على أن يراد بالإيمان الرتبة العالية منها وهي التي لا يرتقي إليها إلا الأفراد، ولوط على ما في جامع الأصول ابن أخيه هاران بن تارح، وذكر بعضهم أنه ابن أخته بالتاء الفوقية وَقالَ إبراهيم عليه السلام: كما ذهب إليه قتادة والنخعي وقيل: الضمير للوط عليه السلام وليس بشيء لما يلزم عليه من التفكيك، والجملة استئناف بياني كأنه قيل: فماذا كان منه عليه السلام؟ فقيل: قال إِنِّي مُهاجِرٌ أي من قومي إِلى رَبِّي أي إلى الجهة التي أمرني ربي بالهجرة إليها، وقيل: إلى حيث لا أمنع عبادة ربي، وقيل: المعنى مهاجر من خالفني من قومي متقربا إلى ربي إِنَّهُ عز وجل هُوَ الْعَزِيزُ الغالب على أمره فيمنعني من أعدائي الْحَكِيمُ الذي لا يفعل فعلا إلا وفيه حكمة ومصلحة فلا يأمرني إلا بما فيه صلاحي.

روي أنه عليه السلام هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوطا وسارة ابنة عمه إلى حران، ثم منها إلى الشام فنزل قرية من أرض فلسطين، ونزل لوط سذوم وهي المؤتفكة على مسيرة يوم وليلة من قرية إبراهيم عليهما السلام، وكان عمره إذ ذاك على ما في الكشاف والبحر خمسا وسبعين سنة، وهو أول من هاجر في الله تعالى وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ولدا ونافلة حين أيس من عجوز عاقر، والجملة معطوفة على ما قبل ولا حاجة إلى عطفها على مقدر كأصلحنا أمره، ولم يذكر سبحانه إسماعيل عليه السلام، قيل لأن المقام مقام الامتنان وذكر الإحسان وذلك بإسحاق ويعقوب لما أشرنا إليه بخلاف إسماعيل وقيل لأنه لا يناسب ذكره هاهنا لأنه ابتلي بفراقه ووضعه بمكة مع أمه دون أنيس، وقال الزمخشري: إنه عليه السلام ذكر ضمنا وتلويحا بقوله تعالى: وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ولم يصرح به لشهرة أمره وعلو قدره، هذا مع أن المخاطب نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وهو من أولاده وأعلم به، والمراد بالكتاب جنسه المتناول للكتب الأربعة وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ على ما عمل لنا فِي الدُّنْيا قال مجاهد:

بإنجائه من النار ومن الملك الجبار والثناء الحسن عليه بحيث يتولاه كل أمة، وضم إلى ذلك ابن جريج الولد الذي قرت به عينه.

وقد يضم إلى ذلك أيضا استمرار النبوة في ذريته، وقال السدي: إن ذلك إراءته عليه السلام مكانه من الجنة، وقال بعضهم: هو التوفيق لعمل الآخرة، وقيل: هو الصلاة عليه إلى آخر الدهر، وقال الماوردي: هو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لنبي غيره، ولا يخفى حال بعض هذه الأقوال، وذكر بعضهم أن المراد آتيناه أجره بمقابلة هجرته إلينا، وعليه لا يصح عد الإنجاء من النار من الأجر بل يعد إعطاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم ونحوه ذلك مما كان له عليه السلام بعد الهجرة من الأجر، وعطف هذا وما بعده من قوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>