الله تعالى امرؤ فعل خيرا يثب عليه أي ليتق بدليل جزم يثب ويوجبه قولهم:«كفى بهند بترك التاء فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب بدليل وما تسقط من ورقة فإن عورض بأحسن بهند فالتاء لا تلحق صيغ الأمر وإن كان معناها الخبر اهـ» .
وتعقب ذلك الشيخ يس الحمصي في حواشيه على التصريح فقال:«أقول تفسير كَفى على هذا القول باكتف غير صحيح إذ فاعل كَفى حينئذ ضمير المخاطب، وكَفى ماض وهو لا يرفع ضمير المخاطب المستتر اهـ وفيه بعد بحث لا يخفى على المتأمل» .
وظن بعض الناس أن كَفى على هذا القول اسم فعل أمر يخاطب به المفرد المذكر وغيره نحو حي في حي على الصلاة فالمعنى هنا اكتفوا بالله، وأنت تعلم أن هذا بعيد الإرادة من كلام الزجاج ويأباه كلام ابن هشام، وقال ابن السراج: الفاعل ضمير الاكتفاء، قال ابن هشام: وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر وهو قول الفارسي، والرماني أجازوا مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح، وأجاز الكوفيون أعماله في الظرف وغيره، ومنع جمهور البصريين أعماله مطلقا اهـ.
وتعقب ذلك ابن الصائغ فقال: لا نسلم توقف الصحة على ذلك لجواز أن تكون الباء للحال، وعليه يكون المعنى كَفى هو أي الاكتفاء حال كونه ملتبسا بالله تعالى، ولا يخفى أنه ما لم يبطل هذا القول لا يتم ما ادعاه ابن هشام من أن ترك التاء في كفى بهند يوجب كون كفى مضمنا معنى اكتف فتدبر وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي بغير الله عزّ وجلّ وهو شامل لنحو عيسى والملائكة عليهم السلام.
والباطل في الحقيقة عبادتهم وليس الباطل هنا مثله في قول حسان: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وقال مقاتل:
أي بعبادة الشيطان، وقيل: أي بالصنم وَكَفَرُوا بِاللَّهِ مع تعاضد موجبات الإيمان به عزّ وجلّ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان فاستوجبوا العقاب يوم الحساب، وفي الكلام على ما قيل: استعارة مكنية شبه استبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب باشتراء مستلزم للخسران، وفي الخسران استعارة تخييلية هي قرينتها لأن الخسران متعارف في التجارات، وهذا الكلام ورد مورد الإنصاف حيث لم يصرح بأنهم المؤمنون بالباطل الكافرون بالله عزّ وجلّ بل أبرزه في معرض العموم ليهجم به التأمل على المطلوب فهو كقوله تعالى:
فشركما لخيركما الفداء وهذا من قبيل المجادلة بالتي هي أحسن وَيَسْتَعْجِلُونَكَ أي ويستعجلك كفار قريش بِالْعَذابِ على طريقة الاستهزاء والتعجيز والتكذيب به بقولهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ وقولهم: أمطر علينا حجارة أو ائتنا بعذاب ونحو ذلك وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى قد ضربه الله تعالى لعذابهم وسماه وأثبته في اللوح لَجاءَهُمُ الْعَذابُ المعين لهم حسبما استعجلوا به، وقال ابن جبير: المراد بالأجل يوم القيامة لما روي أنه تعالى وعد رسوله صلّى الله عليه وسلم أن لا يعذب قومه بعذاب الاستئصال وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة، وقال ابن سلام: المراد به أجل ما بين النفختين، وقيل: يوم بدر، وقيل: وقت فنائهم بآجالهم، وفيه بعد ظاهر لما أنهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطبيعي ولا كانوا يستعجلون به وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ جملة مستأنفة مبنية لما أشير إليه في الجملة السابقة من مجيء العذاب عند حلول الأجل، أي وبالله تعالى لَيَأْتِيَنَّهُمْ العذاب الذي عين لهم عند حلول الأجل بَغْتَةً أي فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي بإتيانه، ولعل المراد بإتيانه كذلك أنه لا يكون بطريق التعجيل عند استعجالهم والإجابة إلى مسؤولهم فإن ذلك إتيان برأيهم