للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العامل في (إياي) مؤخرا لئلا يفوت التعويض عن فعل الشرط مع إفادة ذلك معنى الاختصاص والإخلاص، فالمعنى إن أرضي واسعة فإن لم تخلصوا إلى العبادة في أرض فأخلصوها لي في غيرها، وجعل الشرط إن لم تخلصوا لدلالة الجواب المذكور عليه، ولا منع من أن تكون الفاء الأولى واقعة في جواب شرط آخر ترشيحا للسببية على معنى أن أرضي واسعة وإذا كان كذلك فإن لم تخلصوا لي إلخ، وقيل: الفاء الأولى جواب شرط مقدر وأما الثاني فتكرير ليوافق المفسر، المفسر فيقال حينئذ: المعنى إن أرضي واسعة إن لم تخلصوا لي العبادة في أرض فأخلصوها لي في غيرها، وتكون جملة الشرط المقدرة أعني إن لم تخلصوا إلخ مستأنفة عرية عن الفاء، وما تقدم أبعد مغزى. وجعل بعض المحققين الفاء الثانية لعطف ما بعدها على المقدر العامل في (إياي) قصدا لنحو الاستيعاب كما في خذ الأحسن فالأحسن. وتعقب بأنه حينئذ لا يصلح المذكور مفسر لعدم جواز تخلل العاطف بين مفسر ومفسرا البتة، وأما ما ذكره الإمام السكاكي في قوله تعالى: فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل: ٥١] من أن الفاء عاطفة والتقدير فإياي ارهبوا فارهبون فإنه أراد به أنها في الأصل كذلك لا في الحال على ما حققه صاحب الكشف، هذا وقد أطالوا الكلام في هذا المقام وقد ذكرنا جملة منه في أوائل تفسير سورة البقرة فراجعه مع ما هنا وتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ جملة مستأنفة جيء بها حثا على إخلاص العبادة والهجرة لله تعالى حيث أفادت أن الدنيا ليست دار بقاء وأن وراءها دار الجزاء أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت ومفارقة البدن البتة فلا بد أن تذوقوه ثم ترجعون إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالكم فمن كانت هذه عاقبته فلا بد له من التزود والاستعداد، وفي قوله تعالى: ذائِقَةُ الْمَوْتِ استعارة لتشبيه الموت بأمر كريه الطعم مره، والعدول عن تذوق الموت للدلالة على التحقق، وثُمَّ للتراخي الزماني أو الرتبي.

وقرأ أبو حيوة «ذائقة» بالتنوين «الموت» بالنصب،

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه «ترجعون» مبنيا للفاعل

، وروى عاصم «يرجعون» بياء الغيبة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ أي لننزلنهم على وجه الإقامة، وجملة القسم وجوابه خبر المبتدأ أعني الَّذِينَ ورد به وبأمثاله على ثعلب المانع من وقوع جملة القسم والمقسم عليه خبرا للمبتدأ، وقوله تعالى: مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً أي علالي وقصورا جليلة لا قصور فيها، وهي على ما روي عن ابن عباس من الدر والزبرجد والياقوت، مفعول ثان للتبوئة.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه، وعبد الله، والربيع بن خيثم، وابن وثاب، وطلحة، وزيد بن علي، وحمزة، والكسائي «لنثوينهم» بالثاء المثلثة الساكنة بعد النون وإبدال الهمزة ياء من الثواء بمعنى الإقامة فانتصاب غُرَفاً حينئذ إما بإجرائه مجرى لننزلنهم فهو مفعول به له أو بنزع الخافض على أن أصله بغرف فلما حذف الجار انتصب أو على أنه ظرف والظرف المكاني إذا كان محدودا كالدار والغرفة لا يجوز نصبه على الظرفية إلا أنه أجري هنا مجرى المبهم توسعا كما في قوله تعالى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف: ١٦] على ما فصل في النحو.

وروي عن ابن عامر انه قرأ «غرفا» بضم الراء تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة لغرفا خالِدِينَ فِيها أي في الغرف، وقيل: في الجنة نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ أي الأعمال الصالحة والمخصوص بالمدح محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه أي نعم أجرى العاملين الغرف أو أجرهم، ويجوز كون التمييز محذوفا أي نعم أجرا أجر العاملين، وقرأ ابن وثاب «فنعم» بفاء الترتيب الَّذِينَ صَبَرُوا صفة للعاملين أو خبر مبتدأ محذوف أو نصب على المدح أي صبروا على أذية المشركين وشدائد المهاجرة وغير ذلك من المحن والمشاق وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي ولم يتوكلوا فيما يأتون ويذرون إلا على الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>