الأصفهاني: تقدير الآية ومن آياته آية يريكم البرق على أن يُرِيكُمُ صفة وحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه كما في قوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
أي فمنهما تارة أموت قيل فلا بد من راجع فقدر فيها أو بها، ونص على الثاني الرماني كما في البحر وكلاهما لا يسد- كما في الكشف- عليه المعنى، وقيل: التقدير ومن آياته البرق ثم استؤنف يريكم البرق، وقيل: مِنْ آياتِهِ حال من البرق أي يريكم البرق حال كونه من آياته، وجوز أبو حيان تعلقه يريكم ومِنْ لابتداء الغاية وفيه مخالفة لنظرائه.
وفي الكشف لعل الأوجه أن يكون من آياته خبر مبتدأ محذوف أي من آياته ما يذكر أو ما يتلى عليكم ثم قيل:
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ بيانا لذلك ثم قال: وهذا أقل تكلفا من الكل، وأنت تعلم أن الأوجه ما توافق الآية به نظائرها.
خَوْفاً أي من الصواعق وَطَمَعاً في المطر قاله الضحاك، وقال قتادة: خوفا للمسافر لأنه علامة المطر وهو يضره لعدم ما يكنه ولا نفع له فيه وطمعا للمقيم، وقيل: خوفا أن يكون خلبا وطمعا أن يكون ماطرا وقال ابن سلام: خوفا من البرد أن يهلك الزرع وطمعا في المطر، ونصبهما على العلة عند الزجاج، وهو على مذهب من لا يشترط في نصب المفعول له اتحاد المصدر والفعل المعلل في الفاعل ظاهر وأما على مذهب الأكثرين المشترطين لذلك فقيل في توجيهه: إن ذلك على تقدير مضاف أي إرادة خوف وطمع أو على تأويل الخوف والطمع بالإخافة والأطماع إما بأن يجعل أصلهما ذلك على حذف الزوائد أو بأن يجعلا مجازين عن سببيهما.
وقيل: إن ذلك لأن إراءتهم تستلزم رؤيتهم فالمفعولون فاعلون في المعنى فكأنه قيل: لجعلكم رائين خوفا وطمعا.
واعترض بأن الخوف والطمع ليسا غرضين للرؤية ولا داعيين لها بل يتبعانها فكيف يكونان علة على فرض الاكتفاء بمثل ذلك عند المشترطين، ووجه بأنه ليس المراد بالرؤية مجرد وقوع البصر بل الرؤية القصدية بالتوجه والالتفات فهو مثل قعدت عن الحرب جبنا ولم يرتض ذلك أبو حيان أيضا ثم قال: لو قيل على مذهب المشترطين أن التقدير يريكم البرق فترونه خوفا وطمعا فحذف العامل للدلالة عليه لكان إعرابا سائغا، وقيل: لعل الأظهر نصبهما على العلة للإراءة لوجود المقارنة والاتحاد في الفاعل فإن الله تعالى هو خالق الخوف والطمع، وكون معنى قول النحاة لا بد أن يكون المفعول له فعل الفاعل أنه لا بد من كونه متصفا به كالإكرام في قولك: جئتك إكراما لك أن سلم فلا حجر من الانتصاب على التشبيه في المقارنة والاتحاد المذكور.
وتعقب بأن كون المعنى ما ذكر مما لا شبهة فيه وقد ذكره صاحب الانتصاف وغيره فإن الفاعل اللغوي غير الفاعل الحقيقي فالتوقف فيه وادعاء أنه لا حجر من الانتصاب على التشبيه مما لا وجه له، وأنا أميل إلى عدم اشتراط الاتحاد في الفاعل لكثرة النصب مع عدم الاتحاد كما يشهد بذلك التتبع والرجوع إلى شرح الكافية للرضى، والتأويل مع الكثرة مما لا موجب له، وجوز أن يكون النصب هنا على المصدر أي تخافون خوفا وتطمعون طمعا على أن تكون الجملة حالا، وأولى منه أن يكونا نصبا على الحال أي خائفين وطامعين.
وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً وقرأ غير واحد بالتخفيف فَيُحْيِي بِهِ أي بسبب الماء الْأَرْضَ بأن يخرج سبحانه به النبات بَعْدَ مَوْتِها يبسها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع جلّ شأنه وحكمته سبحانه، وقال الطيبي: لما كان ما ذكر تمثيلا لإحياء