للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى عليه وسلم فطرة الله التي فطر الناس عليها دين الله تعالى»

والمراد بفطرهم على دين الإسلام خلقهم قابلين له غير نابين عنه ولا منكرين له مجاوبا للعقل مساوقا للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر،

ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم ما من مولود يولد إلّا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء»

والمراد بالناس على التفسيرين جميعهم.

وزعم بعضهم أن المراد بهم على التفسير الثاني المؤمنون وليس بشيء. واستشكل الاستغراق بأنه ورد في الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام أنه طبع على الكفر. وأجيب بأن معنى ذلك أنه قدر أنه لو عاش يصير كافرا بإضلال غيره له أو بآفة من الآفات البشرية، وهذا على ما قيل هو المراد من

قوله عليه الصلاة والسلام: «الشقي شقي في بطن أمه»

وذلك لا ينافي الفطر على دين الإسلام بمعنى خلقه متهيأ له مستعدا لقبوله فتأمل فالمقام محتاج بعد إلى تحقيق، وقيل:

فطرة الله العهد المأخوذ على بني آدم، ومعنى فطرهم على ذلك على ما قيل خلقهم مركوزا فيهم معرفته تعالى كما أشير إليه بقوله سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: ٢٥، الزمر: ٣٨] وقوله سبحانه: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى أو لوجوب الامتثال به فالمراد بخلق الله فطرته المذكورة أولا ففيه إقامة المظهر مقام المضمر من غير لفظه السابق، والمعنى لا صحة ولا استقامة لتبديل فطرة الله تعالى بالإخلال بموجبها وعدم ترتيب مقتضاها عليها باتباع الهوى وقبول وسوسة الشياطين، وقيل: المعنى لا يقدر أحد على أن يغير خلق الله سبحانه وفطرته عزّ وجلّ فلا بد من حمل التبديل على تبديل نفس الفطرة بإزالتها رأسا ووضع فطرة أخرى مكانها غير مصححة لقبول الحق والتمكن من إدراكه ضرورة، فإن التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعا فالتعليل حينئذ من جهة أن سلامة الفطرة متحققة في كل أحد فلا بد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها وعدم الإخلال به بما ذكر من اتباع الهوى ووسوسة الشياطين، وقال الإمام: يحتمل أن يقال: إن الله تعالى خلق خلقه للعبادة وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية، وهذا لبيان فساد قول من يقول: العبادة لتحصيل الكمال وإذا كمل للعبد بها لا يبقى عليه تكليف.

وقول المشركين: إن الناقض لا يصلح لعبادة الله تعالى وإنما يعبد نحو الكواكب وهي عبيد الله تعالى، وقول النصارى: إن عيسى عليه السلام كمل بحلول الله تعالى فيه وصار إلها اهـ وفيه ما فيه، ومما يستغرب ما روي عن ابن عباس من أن معنى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ النهي عن خصاء الفحول من الحيوان، وقيل: إن الكلام متعلق بالكفرة كأنه قيل: فأقم وجهك للدين حنيفا والزم فطرة الله التي فطر الناس عليها فإن هؤلاء الكفرة خلق الله تعالى لهم الكفر ولا تبديل لخلق الله أي أنهم لا يفلحون. وأنت تعلم أنه لا ينبغي حمل كلام الله تعالى على نحو هذا ذلِكَ إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو إلى لزوم فطرة الله تعالى المستفاد من الإغراء أو إلى الفطرة والتذكير باعتبار الخبر أو بتأويل المشار إليه بمذكر الدِّينُ الْقَيِّمُ المستوي الذي لا عوج فيه ولا انحراف عن الحق بوجه من الوجوه كما ينبىء عنه صيغة المبالغة، وأصله قيوم على وزن فيعل اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ذلك فيصدون عنه صدودا.

وقيل: أي لا علم لهم أصلا ولو علموا لعلموا ذلك على أن الفعل منزل منزلة اللازم مُنِيبِينَ إِلَيْهِ أي راجعين إليه تعالى بالتوبة وإخلاص العمل من ناب نوبة ونوبا إذا رجع مرة بعد أخرى، ومن النواب أي النحل سميت

<<  <  ج: ص:  >  >>