للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ السلمي، والأعرج، وأبو حيوة، وسلام، وسهل، وروح، وابن حسان، وقنبل من طريق ابن مجاهد، وابن الصباح، وأبي الفضل الواسطي عنه ومحبوب عن أبي عمرو «لنذيقهم» بالنون، وظهور الفساد المذكور على ما أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة كان قبل أن يبعث النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فلما بعث عليه الصلاة والسلام رجع من رجع من الناس عن الضلال والظلم، وقيل: كان أوائل البعثة وذلك أن كفار قريش فعلوا ما فعلوا من المعاصي والإصرار على الشرك وإيذاء الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم فدعا صلى الله تعالى عليه وسلم عليهم فأقحطوا وحل بهم من البلاء ما حل فأخبر الله سبحانه أن ذلك بسبب معاصيهم ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.

وفسر هذا القائل: النَّاسِ بكفار قريش، وقيل: كان في زمان سابق على زمان النزول أعم من أن يكون الزمان الذي قبيل البعثة أو بعيدها أو غير ذلك، وحكم الآية عام في كل فساد يظهر إلى يوم القيامة، ومن هنا قيل: من أذنب ذنبا يكون جميع الخلائق من الإنس والدواب والوحوش والطيور والذر خصماءه يوم القيامة لأنه تعالى يمنع المطر بشؤم المعصية فيتضرر بذلك أهل البر والبحر جميعا، وروي عن شقيق الزاهد أنه قال: من أكل الحرام فقد خان جميع الناس، ووجه تعلق الآية بما قبلها أن فيها نعي ما يعم الشرك وغيره من المعاصي وفيما قبل نعي الشرك وفيها من تخويف المشركين ما فيها.

وقال الإمام: في وجه التعلق هو أن الشرك سبب الفساد كما قال تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] وإذا كان الشرك سببه جعل الله تعالى إظهارهم الشرك مورثا لظهور الفساد ولو فعل بهم ما يقتضيه قولهم لفسدت السماوات والأرض كما قال سبحانه: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا [مريم: ٩٠] وإلى هذا أشار عزّ وجلّ بقوله سبحانه: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا انتهى، فتأمل وأنصف. وقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ مسوق لتأكيد تسبب المعاصي لغضب الله تعالى ونكاله حيث أمروا بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله تعالى الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم ويتحققوا صدق ما تقدم، وقوله تعالى: كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ استئناف للدلالة على أن الشرك وحده لم يكن سبب لتدمير جميعهم بل هو سبب للتدمير في أكثرهم وما دونه من المعاصي سبب له في قليل منهم.

وجوز أن يكون للدلالة على أن سوء عاقبتهم لفشو الشرك وغلبته فيهم ففيه تهويل لأمر الشرك بأنه فتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ أي إذا كان الأمر كذلك فأقم وتمام الكلام فيما هنا يعلم مما تقدم في هذه السورة الكريمة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ جوز أن يتعلق بمرد وهو مصدر بمعنى الرد، والمعنى لا يرده سبحانه بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته عزّ وجلّ فيفيد انتفاء رد غيره تعالى له بطريق برهاني، واعترض بأنه لو كان كذلك للزم تنوين يَوْمٌ لمشابهته للمضاف.

وأجيب بأنه مبني على ما قاله ابن مالك في التسهيل من أنه قد يعامل الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه وحمل عليه

قوله عليه الصلاة والسلام «لا مانع لما أعطيت»

وتفصيله في شرحه، وبعضهم جعله متعلقا بمحذوف يدل عليه مَرَدَّ أي لا يرد من جهته تعالى أي لا يرده هو عزّ وجلّ وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف والتقدير هو أي الرد المنفي كائن من الله تعالى، والجملة استئناف جواب سؤال تقديره ممن ذلك الرد المنفي؟ وقيل: هو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير في الظرف الواقع خبرا للا، وقيل: متعلق بالنفي أو بما دلّ عليه، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة اليوم، وجوز كثير تعلقه بيأتي أي من قبل أن يأتي من الله تعالى يوم لا يقدر أحد أن يرده.

وتعقب بأن ذلك خلاف المتبادر من اللفظ والمعنى وهو مع ذلك قليل الفائدة وارتضاه الطيبي فقال: هذا الوجه

<<  <  ج: ص:  >  >>