بناء على أنها بيانية وتبعيضية أن أريد به ما هو أعم منه بناء على مذهب بعض النحاة كابن كيسان، والسيرافي قالوا: إضافة ما هو جزء من المضاف إليه بمعنى من التبعيضية كما يدل عليه وقوع الفصل بها في كلامهم، والذي عليه أكثر المتأخرين وذهب إليه ابن السراج، والفارسي وهو الأصح أنها على معنى اللام كما فصله أبو حيان في شرح التسهيل وذكره شارح اللمع.
وعن الضحاك أن لَهْوَ الْحَدِيثِ الشرك، وقيل: السحر، وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الصهباء قال سألت عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال: هو والله الغناء وبه وفسر كثير، والأحسن تفسيره بما يعم كل ذلك كما ذكرناه عن الحسن، وهو الذي يقتضيه ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه قال: لَهْوَ الْحَدِيثِ هو الغناء، وأشباهه، وعلى جميع ذلك يكون الاشتراء استعارة لاختياره على القرآن واستبداله به، وأخرج ابن عساكر عن مكحول في قوله تعالى: مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال الجواري الضاربات.
وأخرج آدم، وابن جرير، والبيهقي في سننه عن مجاهد أنه قال فيه: هو اشتراؤه المغني والمغنية والاستماع إليه وإلى مثله من الباطل، وفي رواية ذكرها البيهقي في السنن عن ابن مسعود أنه قال: في الآية هو رجل يشتري جارية تغنيه ليلا أو نهارا واشتهر أن الآية نزلت في النضر بن الحارث، ففي رواية جويبر عن ابن عباس أنه اشترى قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه ويقول: خذ أخير مما يدعوك إليه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه فنزلت.
وفي أسباب النزول للواحدي عن الكلبي، ومقاتل أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم وفي بعض الروايات كتب الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ويقول لهم: إن محمدا عليه الصلاة والسلام يحدثكم بحديث عاد، وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم، وإسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت، وقيل: إنها نزلت في ابن خطل اشترى جارية تغني بالسب، ولا يأبى نزولها فيمن ذكر الجمع في قوله تعالى بعد: أُولئِكَ لَهُمْ كما لا يخفى على الفطن، والاشتراء على أكثر هذه الروايات على حقيقته ويحتاج في بعضها إلى عموم المجاز أو الجمع بين الحقيقة والمجاز كما لا يخفى على من دقق النظر، وجعل المغنية ونحوها نفس لهو الحديث مبالغة كما جعل النِّساءِ في قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ [آل عمران:
١٤] نفس الزينة.
وفي البحر إن أريد بلهو الحديث ما يقع عليه الشراء كالجواري المغنيات وككتب الأعاجم فالاشتراء حقيقة ويكون الكلام على حذف مضاف أي من يشتري ذات لهو الحديث.
وقال الخفاجي: عليه الرحمة لا حاجة إلى تقدير ذات لأنه لما اشتريت المغنية لغنائها فكأن المشتري هو الغناء نفسه فتدبره، وفي الآية عند الأكثرين ذم للغناء بأعلى صوت وقد تضافرت الآثار وكلمات كثير من العلماء الأخيار على ذمه مطلقا لا في مقام دون مقام، فأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي، في شعبه عن ابن مسعود قال: إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه شيطان فقال: تغنه فإن كان لا يحسن قال: تمنه، وأخرجا أيضا عن الشعبي قال: عن القاسم بن محمد أنه سأل عن الغناء فقال للسائل: أنهاك عنه وأكرهه لك فقال السائل: أحراء هو؟ قال: انظر يا ابن أخي إذا ميز الله تعالى الحق من الباطل في أيهما يجعل سبحانه الغناء، وأخرجا عنه أيضا أنه قال:«لعن الله تعالى المغني والمغني له» ،