لم يكن نبيا وهو ظاهر، وزعم بعضهم أنه كان نبيا، واستدل على ذلك بأنه كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: هلموا إلى فإنه لم يبق على دين الخليل غيري وصحة ذلك ممنوعة، وعلى فرض التسليم لا دليل فيه على المقصود كما لا يخفى على من له أدنى ذوق، ومثل زيد رضي الله تعالى عنه قس بن ساعدة الإيادي فإنه رضي الله تعالى عنه كان مؤمنا بالله عزّ وجلّ داعيا إلى عبادته سبحانه وحده وعاصر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومات قبل البعثة على الملة الحنيفية وكان من المعمرين، ذكر السجستاني أنه عاش ثلاثمائة وثمانين سنة، وقال المرزباني: ذكر كثير من أهل العلم أنه عاش ستمائة سنة وذكروا في شأنه أخبارا كثيرة لكن قال الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة قد أفرد بعض الرواة طريق قس وفيه شعره وخطبته هو في الطوالات للطبراني وغيرها وطرقه كلها ضعيفة وعد منها ما عد فليراجع، ثم إن الإشكال إنما يتوهم لو أريد بقريش جميع أولاد قصي أو فهر أو النضر أو الياس أو مضر أما إذا أريد من كان منهم حين بعث صلّى الله عليه وسلم فلا كما لا يخفى على المتأمل فتأمل، وقيل: المراد بهم العرب قريش وغيرهم ولم يأت المعاصرين منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم نذير من الأنبياء عليهم السلام غيره صلّى الله عليه وسلم وكان فيهم من ينذر ويدعو إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده وليس بنبي على ما سمعت آنفا، وأما العرب غير المعاصرين فلم يأتهم من عهد إسماعيل عليه السلام نبي منهم بل لم يرسل إليهم نبي مطلقا، وموسى. وعيسى وغيرهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا إليهم على الأظهر، وخالد بن سنان العبسي عند الأكثرين ليس بنبي، وخبر ورود بنت له عجوز على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لها: مرحبا بابنة نبي ضيعه قومه ونحوه من الأخبار مما للحفاظ فيه مقال لا يصلح معه للاستدلال، وفي شروح الشفاء والإصابة للحافظ ابن حجر بعض الكلام في ذلك، وقيل: المراد بهم أهل الفترة من العرب وغيرهم حتى أهل الكتاب، والمعنى ما أتاهم نذير من قبلك بعد الضلال الذي حدث فيهم. هذا وكأني بك تحمل النذير هنا على الرسول الذي ينذر عن الله عزّ وجلّ وكذا في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ليوافق قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [النحل: ٣٦] وأظن أنك تجعل التنوين في أمة للتعظيم أي وأن من أمة جليلة معتنى بأمرها إلّا خلا فيها نذير ولقد بعثنا في كل أمة جليلة معتنى بأمرها رسولا أو تعتبر العرب أمة وبني إسرائيل أمة ونحو ذلك أمة دون أهل عصر واحد وتحمل من لم يأتهم نذير على جماعة من أمة لم يأتهم بخصوصهم نذير، ومما يستأنس به في ذلك أنه حين ينفي إتيان النذير ينفي عن قوم ونحوه لا عن أمة فليتأمل، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام، وجوز كون ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لتنذر ومِنْ نَذِيرٍ عليه متعلق بأتاهم أي لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك أي على لسان نذير من قبلك واختاره أبو حيان، وعليه لا مجال لتوهم الإشكال لكن لا يخفى أنه خلاف المتبادر الذي عليه أكثر المفسرين، والاقتصار على الإنذار في بيان الحكمة لأنه الذي يقتضيه قولهم: افْتَراهُ دون التبشير لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أي لأجل أن يهتدوا بإنذارك إياهم أو راجيا لاهتدائهم، وجعل الترجي مستعارا للإرادة منسوبا إليه عزّ وجلّ نزغة اعتزالية:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ مرّ بيانه فيما سلف على مذهبي السلف والخلف ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أي ما لكم مجاوزين الله عزّ وجلّ أي رضاه سبحانه وطاعته تعالى ولي ولا شفيع أي لا ينفعكم هذان من الخلق عنده سبحانه دون رضاه جل جلاله- فمن دونه- حال من مجرور لَكُمْ والعامل الجار أو متعلقه، وعلى هذا المعنى لا دليل في الخطاب على أنه تعالى شفيع دون غيره ليقال: كيف ذاك وتعالى جل شأنه أن يكون شفيعا، وكفى في ذلك رده صلّى الله عليه وسلم على الأعرابي حيث
قال: إنا نستشفع بالله تعالى إليك
، وقد يقال: الممتنع اطلاق الشفيع عليه تعالى بمعناه الحقيقي وأما إطلاقه عليه سبحانه بمعنى الناصر مجازا فليس بممتنع، ويجوز أن يعتبر ذلك هنا وحينئذ يجوز أن يكون مِنْ دُونِهِ حالا مما بعد قدم عليه لأنه