على أنه فاعل يَعْرُجُ والأوصاف مجرورة على البدلية من ضمير إِلَيْهِ وقرأ أبو زيد النحوي بخفض الوصفين الأخيرين على أن ذلِكَ إشارة إلى الله تعالى مرفوع المحل على الابتداء وعالِمُ خبره والوصفان مجروران على البدلية من الضمير، وقوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ خبر رابع أو نعت ثالث أو نصب على المدح، وجوز أبو البقاء كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي، وكون الْعَزِيزُ مبتدأ والرَّحِيمُ صفته وهذا خبره وجملة خَلَقَهُ في محل جر صفة شَيْءٍ ويجوز أن تكون في محل نصب صفة كُلَّ واحتمال الاستئناف بعيد أي حسن سبحانه كل مخلوق من مخلوقاته لأنه ما من شيء منها إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة واستدعته المصلحة فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت في مراتب الحسن كما يشير إليه قوله تعالى:
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: ٤] ونفى التفاوت في خلقه تعالى في قوله سبحانه: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ [الملك: ٣] على معنى ستعرفه إن شاء الله تعالى غير مناف لما ذكر، وجوز أن يكون المعنى علم كيف يخلقه من قوله، قيمة المرء ما يحسن وحقيقته يحسن معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإيقان، ولا يخفى بعده.
وقرأ العربيان، وابن كثير «خلقه» بسكون اللام فقيل: هو بدل اشتمال من كُلَّ والضمير المضاف إليه له وهو باق على المعنى المصدري، وقيل: هو بدل كل من كل أو بدل بعض من كل والضمير لله تعالى وهو بمعنى المخلوق، وقيل: هو مفعول ثان لأحسن على تضمينه معنى أعطى أي أعطى سبحانه كل شيء خلقه اللائق به بطريق الإحسان والتفضل، وقيل: هو المفعول الأول وكُلَّ شَيْءٍ المفعول الثاني وضميره لله سبحانه على تضمين الإحسان معنى الإلهام كما قال الفراء أو التعريف كما قال أبو البقاء، والمعنى أللهم أو عرف خلقه كل شيء مما يحتاجون إليه فيؤول إلى معنى قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: ٥٠] .
واختار أبو علي في الحجة ما ذكره سيبويه في الكتاب أنه مفعول مطلق لأحسن من معناه والضمير لله تعالى نحو قوله تعالى: صُنْعَ اللَّهِ [النمل: ٨٨] ووَعْدَ اللَّهِ [النساء: ١٢٢ وغيرها] وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ أي آدم عليه السلام مِنْ طِينٍ أو بدأ خلق هذا الجنس المعروف مِنْ طِينٍ حيث بدأ خلق آدم عليه السلام خلقا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجماليا منه، وقرأ الزهري «بدا» بالألف بدلا من الهمزة قال في البحر:
وليس القياس في هدأ هدا بإبدال الهمزة ألفا بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين على أن الأخفش حكى في قرأت قريت قيل: وهي لغة الأنصار فهم يقولون في بدأ بدي بكسر عين الكلمة وياء بعدها، وطيىء يقولون في فعل هذا نحو بقي بقي كرمي فاحتمل أن تكون قراءة الزهري على هذه اللغة بأن يكون الأصل بدى ثم صار بدا، وعلى لغة الأنصار قال ابن رواحة:
باسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ذريته سميت بذلك لأنها تنسل وتنفصل منه مِنْ سُلالَةٍ أي خلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ممتهن لا يعتنى به وهو المني ثُمَّ سَوَّاهُ عدله بتكميل أعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي، وأصل التسوية جعل الأجزاء متساوية، وثُمَّ للترتيب الرتبي أو الذكري وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أضاف الروح إليه تعالى تشريفا له كما في بيت الله تعالى وناقة الله تعالى وإشعارا بأنه خلق عجيب وصنع بديع، وقيل: إضافة لذلك إيماء إلى أن له شأنا له مناسبة ما إلى حضرة الربوبية.
ومن هنا قال أبو بكر الرازي: من عرف نفسه فقد عرف ربه، ونفخ الروح قيل: مجاز عن جعلها متعلقة بالبدن