للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن لو فيه للتمني بدليل نصب فيخبر وله جواب وهو قوله لقر، ورد بأنها شرطية ويخبر عطف على مصدر متصيد من نبش كأنه قيل: لو حصل نبش فأخبار، ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقال الخفاجي عليه الرحمة: لو قيل:

إنها لتقدير التمني معها كثيرا أعطيت حكمه واستغنى عن تقدير الجواب فيها إذا لم يذكر كما في الوصلية ونصب جوابها كان أسهل مما ذكر، وجوز أن يقدر لترى مفعول دلّ عليه ما بعد أي لو ترى المجرمين أو لو ترى نكسهم رؤوسهم والمضي في لو الامتناعية وإذ لأن أخباره تعالى عما تحقق في علمه الأزلي لتحققه بمنزلة الماضي فيستعمل فيه ما دلّ على المضي مجازا كلو وإذ، هذا ومن الغريب قول أبي العباس في الآية: المعنى قل يا محمد للمجرم ولو ترى وقد حكاه عنه أبو حيان ثم قال: رأى أن الجملة معطوفة على يَتَوَفَّاكُمْ داخلة تحت قُلْ السابق ولذا لم يجعل الخطاب فيه للرسول عليه الصلاة والسلام انتهى كلامه فلا تغفل.

وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها مقدر بقول معطوف على مقدر قبل قوله تعالى: رَبَّنا أَبْصَرْنا إلخ وهو جواب لقولهم فَارْجِعْنا يفيد أنهم لو أرجعوا لعادوا لما نهوا عنه لسوء اختيارهم وأنهم ممن لم يشأ الله تعالى إعطاؤهم الهدى أي ونقول: لو شئنا أي لو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليا بأن نعطي كل نفس من النفوس البرة والفاجرة هداها أي ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح، وفسره بعضهم بنفس الإيمان والعمل الصالح والأول أولى، وأما تفسيره بما سأله الكثرة من الرجوع إلى الدنيا أو بالهداية إلى الجنة فليس بشيء لأعطيناها إياه في الدنيا التي هي دار الكسب وما أخرناه إلى دار الجزاء وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي أي ثبت وتحقق قولي وسبقت كلمتي حيث قلت لإبليس عند قوله: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: ٨٤، ٨٥] وهو المعنى بقوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فإنه في الخطاب لإبليس مقدم وتقديمه هناك لأنه الأوفق لمقام تحقير ذلك المخاطب عليه اللعنة، وقيل: التقديم في الموضعين لأن الجهنميين من الجنة أكثر.

ويعلم مما ذكرنا وجه العدول عن ضمير العظمة في قوله سبحانه: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا إلى ضمير الوحدة في قوله جلّ وعلا: وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي وذلك لأن ما ذكر إشارة إلى ما وقع في الرّد على اللعين وقد وقع فيه القول والإملاء مسندين إلى ضمير الوحدة ليكون الكلام على طرز لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ [ص: ٨٢، ٨٣] في توحيد الضمير، وقد يقال: ضمير العظمة أوفق بالكثرة الدال عليها «كل نفس» والضمير الآخر أوفق بما دون تلك الكثرة الدال عليه مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أو يقال: إنه وحد الضمير في الوعيد لما أن المعنى به المشركون فكأنه أخرج الكلام على وجه لا يتوهم فيه متوهم نوعا من أنواع الشركة أصلا أو أخرج على وجه يلوح بما عدلوا عنه من التوحيد إلى ما ارتكبوه مما أوجب لهم الوعيد من الشرك، أو يقال: وحد الضمير في لَأَمْلَأَنَّ لأن الإملاء لا تعدد فيه فتوحيد الضمير أوفق به ويقال نظير ذلك في حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي والإيتاء يتعدد المؤتى فضمير العظمة أوفق به ويقال نظيره في شِئْنا فتدبر، ولا يلزم من قوله تعالى: أَجْمَعِينَ دخول جميع الجن والإنس فيها، وأما قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١] فالورود فيه غير الدخول، وقد مرّ الكلام في ذلك لأن أَجْمَعِينَ تفيد عموم الأنواع لا الإفراد فالمعنى لأملأنها من ذينك النوعين جميعا كملأت الكيس من الدراهم والدنانير جميعا كذا قيل، ورد بأنه لو قصد ما ذكر لكان المناسب التثنية دون الجمع بأن يقال كليهما، واستظهر أنها لعموم الأفراد والتعريف في الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ للعهد والمراد عصاتهما ويؤيده الآية المتضمنة خطاب إبليس، وحاصل الآية لو شئنا إيتاء كل نفس هداها لآتيناها إياه لكن تحقق القول مني لأملأن جهنم إلخ فبموجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى على العموم بل

<<  <  ج: ص:  >  >>