قوله تعالى: وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ استمرار النفي الظاهر أن الجملة عطف على لا يَنْفَعُ إلخ والقيد معتبر فيها، وظاهر سؤالهم بقولهم مَتى هذَا الْفَتْحُ يقتضي الجواب بتعيين اليوم المسئول عنه إلّا أنه لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالا منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم فكأنه قيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزئوا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان واستنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا، وهذا قريب من الأسلوب الحكيم هذا وتفسير يَوْمَ الْفَتْحِ بيوم القيامة ظاهر على القول بأن المراد بالفتح الفصل للخصومة فقد قال سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ولا يكاد يتسنى على القول بأن المراد به النصر على أولئك القائلين إذا كانوا عانين به النصر والغلبة عليهم في الدنيا كما هو ظاهر مما سمعت عن مجاهد، وعليه قيل: المراد بيوم الفتح يوم بدر، أخرج ذلك الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: يوم فتح مكة، وحكي ذلك عن الحسن، ومجاهد، واستشكل كلا القولين بأن قوله تعالى: يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ ظاهر في عدم قبول الإيمان من الكافر يومئذ مع أنه آمن ناس يوم بدر فقبل منهم وكذا يوم فتح مكة.
وأجيب بأن الموصول على كل منهما عبارة عن المقتولين في ذلك اليوم على الكفر، فمعنى لا ينفعهم إيمانهم أنهم لا إيمان لهم حتى ينفعهم فهو على حد قوله:
على لا حب لا يهتدى بمناره سواء أريد بهم قوم مخصوصون استهزؤوا أم لا وسواء عطف قوله تعالى: وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ على المقيد أو على المجموع فتأمل.
وتعقب بأن ذلك خلاف الظاهر، وأيضا كون يوم الفتح يوم بدر بعيد عن كون السورة مكية وكذا كونه يوم فتح مكة، ويبعد هذا أيضا قلة المقتولين في ذلك اليوم جدا تدبر.
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، وعن ابن عباس أن ذلك منسوخ بآية السيف، ولا يخفى أنه يحتمل أن المراد الإعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين فلا يتعين النسخ.
وَانْتَظِرْ النصرة عليهم وهلاكهم إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ قال الجمهور: أي الغلبة عليكم كقوله تعالى:
فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة: ٥٢] وقيل: الأظهر أن يقال: إنهم منتظرون هلاكهم كما في قوله تعالى:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ الآية، ويقرب منه ما قيل: وانتظر عذابنا لهم أنهم منتظرون أي هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاصي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة وقرأ اليماني «منتظرون» بفتح الظاء اسم مفعول على معنى أنهم أحقاء أن ينتظر هلاكم أو أن الملائكة المترتب عليه السلام ينتظرونه والمراد أنهم هالكون لا محالة هذا.
«ومن باب الإشارة» قوله تعالى: ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الالتفات إلى الأسباب والاعتماد عليها، وقوله سبحانه: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ فيه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره عزّ وجلّ لا أثر له فطوبى لمن رزق الرضا بتدبير الله تعالى واستغنى عن تدبيره الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فيه إرشاد إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يستقبح شيئا من المخلوقات،
وقد حكي أن نوحا عليه السلام بصق على كلب أجرب فأنطق الله تعالى الكلب فقال: يا نوح أعبتني أم عبت خالقي فناح عليه السلام لذلك زمانا طويلا
فالأشياء كلها حسنة كل في بابه والتفاوت إضافي، وفي قوله تعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ إلى آخر الآية بعد قوله