ومنع ذلك جمهور البصريين: ومن هنا قال صاحب التقريب، هو بدل اشتمال أو بدل بعض من كل، ولا يتسنى إلّا على القول بأن الخطاب عام وهو مخالف للظاهر كما سمعت، ومع هذا يحتاج إلى تقدير منكم، وقال أبو البقاء:
يجوز أن يكون لمن متعلقا بحسنة أو بمحذوف وقع صفة لها لأنه وقع بعد نكرة، وقيل: يجوز أن يكون صفة لأسوة، وتعقب بأن المصدر الموصوف لا يعمل فيما بعد وصفه، وكذا تعدد الوصف بدون العطف لا يصح، وقد صرح بمنع ذلك الإمام الواحدي، ولا يخفى أن المسألة خلافية فلا تغفل.
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي ذكرا كثيرا وقرن سبحانه بالرجاء كثرة الذكر لأن المثابرة على كثرة ذكره عزّ وجلّ تؤدي إلى ملازمة الطاعة وبها يتحقق الائتساء برسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم ومما ينبغي أن يعلم أنه قد صرح بعض الأجلة كالنووي أن ذكر الله تعالى المعتبر شرعا ما يكون في ضمن جملة مفيدة كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلّا بالله ونحو ذلك وما لا يكون بمفرد لا يعد شرعا ذكرا نحو الله أو قادر أو سميع أو بصير إذ لم يقدر هناك ما يصير به اللفظ كلاما، والناس عن هذا غافلون، وأنهم أجمعوا على أن الذكر المتعبد بمعناه لا يثاب صاحبه ما لم يستحضر معناه فالمتلفظ بنحو سبحان الله ولا إله إلّا الله إذا كان غافلا عن المعنى غير ملاحظ ومستحضرا إياه لا يثاب إجماعا، والناس أيضا عن هذا غافلون فإنا لله وإنا إليه راجعون وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ بيان لما صدر عن خلص المؤمنين عند اشتباه الشؤون واختلاط الظنون بعد حكاية ما صدر عن غيرهم أي لما شاهدوهم حسبما وصفوا لهم قالُوا هذا إشارة عند بعض المحققين إلى ما شاهدوه من غير أن يخطر ببالهم لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أحكام اللفظ نعم يجوز التذكير باعتبار الخبر الذي هو ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فإن ذلك العنوان أول ما يخطر ببالهم عند المشاهدة، وعند الأكثر إشارة إلى الخطب والبلاء، وما موصولة عائدها محذوف وهو المفعول الثاني لوعد أي الذي وعدناه الله، وجوز أن تكون مصدرية أي هذا وعد الله تعالى ورسوله إيانا وأرادوا بذلك ما تضمنه قوله تعالى في سورة [البقرة: ٢١٤] أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ كما أخرج ذلك ابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأخرجه جماعة عن قتادة أيضا ونزلت آية البقرة قبل الواقعة بحول على ما أخرجه جويبر عن الضحاك عن الحبر رضي الله تعالى عنه.
وفي البحر عن ابن عباس قال:«قال النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا
أي في آخر تسع ليال أو عشر أي من وقت الإخبار أو من غرة الشهر فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك فمرادهم بذلك ما وعد بهذا الخبر. وتعقبه ابن حجر بأنه لم يوجد في كتب الحديث، وقرىء بإمالة الراء «رأى» نحو الكسرة وفتح الهمزة وعدم إمالتها، وروى إمالتهما وإمالة الهمزة دون الراء على تفصيل فيه في النشر فليراجع وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الظاهر أنه داخل في حيز القول فجوز أن يكون عطفا على جملة هذا ما وَعَدَنَا إلخ أو على صلة الموصول وهو كما ترى، وأن يكون في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه.
وأيا ما كان فالمراد ظهر صدق خبر الله تعالى ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم لأن الصدق محقق قبل ذلك والمترتب على رؤية الأحزاب ظهوره، وجوز أن يكون المعنى وصدق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام في النصرة والثواب كما صدق الله تعالى ورسوله في البلاء، والإظهار مع سبق الذكر للتعظيم ولأنه لو أضمر وقيل وصدق جاء الجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير واحد والأولى تركه أو قيل وصدق وهو ورسوله بقي الإظهار في مقام الإضمار فلا يندفع السؤال كذا قيل، وحديث الجمع قد مرّ ما فيه وَما زادَهُمْ أي ما رأوا المفهوم من قوله تعالى: