للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخشب لا بيت القرابة والنسب وهو بيت السكنى لا المسجد النبوي كما قيل، وحينئذ فالمراد بأهله نساؤه صلّى الله عليه وسلم المطهرات للقرائن الدالة على ذلك من الآيات السابقة واللاحقة مع أنه عليه الصلاة والسلام ليس له بيت يسكنه سوى سكناهن، وروى ذلك غير واحد، أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ إلخ في نساء النبي صلّى الله عليه وسلم خاصة، وأخرج ابن مردويه من طريق ابن جبير عنه ذلك بدون لفظ خاصة، وقال عكرمة من شاء بأهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة أنه قال في الآية: ليس بالذي تذهبون إليه إنما هو نساء النبي صلّى الله عليه وسلم.

وروى ابن جرير أيضا أن عكرمة كان ينادي في السوق أن قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ نزل في نساء النبي صلّى الله عليه وسلم، وأخرج ابن سعد عن عروة لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قال: يعني أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم وتوحيد البيت لأن بيوت الأزواج المطهرات باعتبار الإضافة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بيت واحد وجمعه فيما سبق ولحق باعتبار الإضافة إلى الأزواج المطهرات اللاتي كن متعددات وجمعه في قوله سبحانه الآتي إن شاء الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [الأحزاب: ٥٣] دفعا لتوهم إرادة بيت زينب لو أفرد من حيث أن سبب النزول أمر وقع فيه كما ستطلع عليه إن شاء الله تعالى، وأورد ضمير جمع المذكر في عَنْكُمُ ويُطَهِّرَكُمْ رعاية للفظ الأهل والعرب كثيرا ما يستعملون صيغ المذكر في مثل ذلك رعاية للفظ وهذا كقوله تعالى خطابا لسارة: امرأة الخليل عليهما السّلام أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود: ٧٣] ومنه على ما قيل قوله سبحانه: قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً خطابا من موسى عليه السّلام لامرأته ولعل اعتبار التذكير هنا أدخل في التعظيم، وقيل: المراد هو صلّى الله عليه وسلم ونساؤه المطهرات رضي الله تعالى عنهن وضمير جمع المذكر لتغليبه عليه الصلاة والسلام عليهن. وقيل: المراد بالبيت بيت النسب ولذا أفرد ولم يجمع كما في السابق واللاحق.

فقد أخرج الحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما فذلك قوله تعالى:

وَأَصْحابُ الْيَمِينِ [الواقعة: ٢٧] . وَأَصْحابُ الشِّمالِ [الواقعة: ٤١] فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله تعالى (١) : وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة: ٩، ١٠] فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل إلا ثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: ١٣] وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا فذلك قوله تعالى:

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب»

فإن المتبادر من البيت الذي هو قسم من القبيلة البيت النسبي، واختلف في المراد بأهله فذهب الثعلبي إلى أن المراد بهم جميع بني هاشم ذكورهم وإناثهم، والظاهر أنه أراد مؤمني بني هاشم وهذا هو المراد بالآل عند الحنفية، وقال بعض الشافعية: المراد بهم آله صلّى الله عليه وسلم الذين هم مؤمنو بني هاشم والمطلب، وذكر الراغب أن أهل البيت تعورف في أسرة النبي صلّى الله عليه وسلم مطلقا وأسرة الرجل على ما في القاموس رهطه أي قومه وقبيلته الأدنون، وقال في موضع آخر: صار أهل البيت


(١) قوله: وأصحاب المشأمة إلخ كذا بخطه وفيه حذف صدر الآية وهو الثلث الأول اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>