للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم: إن ظاهر تعليله نفي كون النساء أهل البيت

بقوله: ايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها

يقتضي أن لا يكن من أهل البيت مطلقا فلعله أراد بقوله في الخبر السابق نساؤه من أهل بيته نساؤه إلخ بهمزة الاستفهام الإنكاري فيكون بمعنى ليس نساؤه من أهل بيته كما في معظم الروايات في غير صحيح مسلم ويكون رضي الله تعالى عنه ممن يرى أن نساءه عليه الصلاة والسلام لسن من أهل البيت أصلا ولا يلزمنا أن ندين الله تعالى برأيه لا سيما وظاهر الآية معنا وكذا العرف وحينئذ يجوز أن يكون أهل البيت الذين هم أحد الثقلين بالمعنى الشامل للأزواج وغيرهن من أصله وعصبته صلّى الله عليه وسلم الذين حرموا الصدقة بعده ولا يضر في ذلك عدم استمرار بقاء الأزواج كما استمر بقاء الآخرين مع الكتاب كما لا يخفى اهـ، وأنت تعلم أن ظاهر ما

صح من قوله صلّى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم خليفتين- وفي رواية- ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض»

يقتضي أن النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين لأن عترة الرجل كما في الصحاح نسله ورهطه الأدنون، وأهل بيتي في الحديث الظاهر أنه بيان له أو بدل منه بدل كل من كل وعلى التقديرين يكون متحدا معه فحيث لم تدخل النساء في الأول لم تدخل في الثاني. وفي النهاية أن عترة النبي صلّى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب وقيل أهل بيته الأقربون وهم أولاده وعلي وأولاده رضي الله تعالى عنهم، وقيل:

عترته الأقربون والأبعدون منهم اهـ. والذي رجحه القرطبي أنهم من حرمت عليهم الزكاة، وفي كون الأزواج المطهرات كذلك خلاف قال ابن حجر: والقول بتحريم الزكاة عليهن ضعيف وإن حكي ابن عبد البرّ الإجماع عليه فتأمل، ولا يرد على حمل أهل البيت في الآية على المعنى الأعم ما

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية في خمسة في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»

إذ لا دليل فيه على الحصر والعدد لا مفهوم له، ولعل الاقتصار على من ذكر صلوات الله تعالى وسلامه عليهم لأنهم أفضل من دخل في العموم وهذا على تقدير صحة الحديث والذي يغلب على ظني أنه غير صحيح إذ لم أعهد نحو هذا في الآيات منه صلّى الله عليه وسلم في شيء من الأحاديث الصحيحة التي وقفت عليها في أسباب النزول، وبتفسير أهل البيت بمن له مزيد اختصاص به على الوجه الذي سمعت يندفع ما ذكره المشهدي من شموله للخدام والإماء والعبيد الذين يسكنون البيت فإنهم في معرض التبدل والتحول بانتقالهم من ملك إلى ملك بنحو الهبة والبيع وليس لهم قيام بمصالحه واهتمام بأمره وتدبير لشأنه إلا حيث يؤمرون بذلك، ونظمهم في سلك الأزواج ودعوى أن نسبة الجميع إلى البيت على حد واحد مما لا يرتضيه منصف ولا يقول به إلا متعسف.

وقال بعض المتأخرين: إن دخولهم في العموم مما لا بأس به عند أهل السنّة لأن الآية عندهم لا تدل على العصمة ولا حجر على رحمة الله عزّ وجلّ ولأجل عين ألف عين تكرم، وأما أمر الجمع والأفراد فقد سمعت ما يتعلق به، والظاهر على هذا القول أن التعبير بضمير جمع المذكر في عَنْكُمُ للتغليب، وذكر أن في عَنْكُمُ عليه تغليبين أحدهما تغليب المذكر على المؤنث، وثانيهما تغليب المخاطب على الغائب إذ غير الأزواج المطهرات من أهل البيت لم يجر لهم ذكر فيما قبل ولم يخاطبوا بأمر أو نهي أو غيرهما فيه، وأمر التعليل عليه ظاهر وإن لم يكن كظهوره على القول بأن المراد بأهل البيت الأزواج المطهرات فقط.

واعتذر المشهدي عن وقوع جملة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ إلخ في البين بأن مثله واقع في القرآن الكريم فقد قال تعالى شأنه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ [النور: ٥٤] ثم قال سبحانه بعد تمام الآية:

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [النور: ٥٦] فعطف أقيموا على أطيعوا مع وقوع الفصل الكثير بينهما، وفيه أنه وقع

<<  <  ج: ص:  >  >>