للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنزل على أنبيائه عليهم السلام والعمل بموجبه لازم مقضي في نفسه أو هو كالمقضي في لزوم اتباعه، ولا يخفى تكلفه، وظاهر كلام الإمام اختيار أن الأمر واحد الأمور وفرق بين القضاء والقدر بما لم نقف عليه لغيره فقال ما حاصله القضاء ما يكون مقصودا له تعالى في الأصل والقدر ما يكون تابعا والخير كله بقضاء وما في العالم من الضرر بقدر كالزنا والقتل ثم بنى على ذلك لطيفة وهو أنه لما قال سبحانه: زَوَّجْناكَها ذيله بأمرا مفعولا لكونه مقصودا أصليا وخيرا مقضيا ولما قال جل شأنه: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا إشارة إلى قصة داود عليه السّلام حيث افتتن بامرأة أوريا قال سبحانه: قَدَراً مَقْدُوراً لكون الافتتان شرا غير مقصود أصلي من خلق المكلف، وفيه ما فيه، والجملة اعتراض وسط بين الموصولين الجاريين مجرى الواحد للمسارعة إلى تقرير نفي الحرج وتحقيق الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ صفة للذين خلوا أو هو في محل رفع أو نصب على إضمارهم أو على المدح.

وقرأ عبد الله بلغوا فعلا ماضيا، وقرأ أبي «رسالة» على التوحيد لجعل الرسالات المتعددة لاتفاقها في الأصول وكونها من الله تعالى بمنزلة شيء واحد وإن اختلفت أحكامها وَيَخْشَوْنَهُ أي يخافونه تعالى في كل ما يأتون ويذرون لا سيما في أمر تبليغ الرسالة وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ في وصفهم بقصرهم الخشية على الله تعالى تعريض بما صدر عنه عليه الصلاة والسلام من الاحتراز عن لائمة الناس من حيث إن إخوانه المرسلين لم تكن سيرتهم التي ينبغي الاقتداء بها ذلك، وهذا كالتأكيد لما تقدم من التصريح في قوله سبحانه: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ وتوهم بعضهم أن منشأ التعريض توصيف الأنبياء بتبليغ الرسالات وحمل الخشية على الخشية في أمر التبليغ لوقوعها في سياقه وفيه ما لا يخفى وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي كافيا للمخاوف أو محاسبا على الكبار والصغائر من أفعال القلب والجوارح فلا ينبغي أن يخشى غيره، والإظهار في مقام الإضمار لما في هذا الاسم الجليل ما ليس في الضمير، واستدل بالآية على عدم جواز التقية على الأنبياء عليهم السّلام مطلقا، وخص ذلك بعض الشيعة في تبليغ الرسالة وجعلوا ما وقع منه صلّى الله عليه وسلم في هذه القصة المشار إليه بقوله تعالى وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ بناء على أن الخشية فيه بمعنى الخوف لا على أن المراد الاستحياء من قول الناس تزوج زوجة ابنه كما قاله ابن فورك من التقية الجائزة حيث لم تكن في تبليغ الرسالة، ولا فرق عندهم بين خوف المقالة القبيحة وإساءة الظن وبين خوف المضار في أن كلا يبيح التقية فيما لا يتعلق بالتبليغ، ولهم في التقية كلام طويل وهي لأغراضهم ظل ظليل، والمتتبع لكتب الفرق يعرف أن قد وقع فيها إفراط وتفريط وصواب وتخليط وإن أهل السنّة والجماعة قد سلكوا فيها الطريق الوسط وهو الطريق الأسلم الأمين سالكه من الخطأ والغلط، أما الإفراط فللشيعة حيث جوزوا بل أوجبوا على ما حكي عنهم إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، وأما التفريط فللخوارج والزيدية حيث لا يجوزون في مقابلة الدين مراعاة العرض وحفظ النفس والمال أصلا، وللخوارج تشديدات عجيبة في هذا الباب، وقد سبوا وطعنوا بريدة الأسلمي أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسبب أنه رضي الله تعالى عنه كان يحافظ فرسه في صلاته خوفا من أن يهرب.

ومذهب أهل السنّة أن التقية وهي محافظة النفس أو العرض أو المال من نحو الأعداء بإظهار محظور ديني مشروعة في الجملة.

وقسموا العدو إلى قسمين: الأول من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالمسلم والكافر ويلحق به من كانت عداوته لاختلاف المذهب اختلافا يجر إلى تكفير أصحاب أحد المذهبين أصحاب المذهب الآخر كأهل السنّة والشيعة، والثاني من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمرأة وعلى هذا تكون التقية أيضا قسمين: أما الأول فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين حقيقة أو حكما وقد ذكروا في ذلك أن من يدعي الإيمان

<<  <  ج: ص:  >  >>