للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفي الدين بن أبي منصور والشيخ عبد الغفار عن الشيخ أبي العباس الطنجي من أنه رأى السماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وينحل به السؤال عن كيفية رؤية المتعددين له عليه الصلاة والسّلام في زمان واحد في أقطار متباعدة.

ولا يحتاج معه إلى ما أشار إليه بعضهم وقد سئل عن ذلك فأنشد:

كالشمس في كبد السماء وضوءها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا

وهذه الرؤية إنما تقع في الأغلب للكاملين الذين لم يخلوا باتباع الشريعة قدر شعيرة، ومتى قويت المناسبة بين رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبين أحد من الأمة قوي أمر رؤيته إياه عليه الصلاة والسّلام، وقد تقع لبعض صلحاء الأمة عند الاحتضار لقوة الجمعية حينئذ، والرؤية التي تكون يقظة لمن رآه صلّى الله عليه وسلم في المنام إن كانت في الدنيا فهي على نحو رؤية بعض الكاملين إياه صلّى الله عليه وسلم وهي أكمل من الرؤيا وإن كان المرئي فيهما هو رسول الله عليه الصلاة والسّلام، وآخر مظان تحققها وقت الموت.

ولعل الأغلب في حق العامة تحققها فيه، وإن كانت في الآخرة فالأمر فيها واضح ويرجح عندي كونها في الآخرة على وجه خاص من القرب والحظوة وما شاكل ذلك أن البشارة في الخبر عليه أبلغ، ثم إن الخبر المذكور فيما مر مذكور

في صحيح مسلم بالسند إلى أبي هريرة أنه قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي»

فلا قطع على هذه الرواية بأنه عليه الصلاة والسّلام قال: فسيراني فإن كان الواقع في نفس الأمر ذلك فالكلام فيه ما سمعت، وإن كان الواقع لكأنما رآني فهو

كقوله صلّى الله عليه وسلم في خبر آخر: «فقد رآني»

وفي آخر أيضا «فقد رأى الحق»

والمعنى أن رؤياه صحيحة، وما تقدم من أن الأنبياء عليهم السّلام يخرجون من قبورهم أي بأجسامهم وأرواحهم كما هو الظاهر ويتصرفون في الملكوت العلوي والسفلي فمما لا أقول به، والخبر السابق الذي

أخرجه ابن حبان والطبراني وأبو نعيم عن أنس وهو قوله صلّى الله عليه وسلم: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا» قد أخرجوه عن الحسن بن سفيان عن هشام بن خالد الأزرق عن الحسن بن يحيى الخشني عن سعيد بن عبد العزيز عن يزيد بن أبي مالك عن أنس رضي الله تعالى عنه

وقال فيه ابن حبان: هو باطل والخشني منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما لا أصل له.

وفي الميزان عن الدارقطني الخشني متروك ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضع الحديث وهو مع ذلك بعض حديث

والحديث بتمامه عند الطبراني «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه ومررت ليلة أسري بي بموسى وهو قائم يصلي في قبره»

وهو على هذا لا يدل على أنه بعد الأربعين لا يقيم في قبره بل يخرج منه وإنما يدل على أنه لا يبقى في القبر ميتا كسائر الأموات أكثر من أربعين صباحا بل ترد إليه روحه ويكون حيا، وأين هذا من دعوى الخروج من القبر بعد الأربعين، والحياة في القبر لا تستلزم الخروج وأنا أقول بها في حق الأنبياء عليهم السّلام، وقد ألف البيهقي جزءا في حياتهم في قبورهم وأورد فيه عدة أخبار.

ولا يضرني بعد ظهور أن الحديث السابق لا يدل على الخروج المنازعة في وصفه وبلوغه بما له من الشواهد درجة الحسن، والأخبار المذكورة بعد فيما سبق المراد منها كلها إثبات الحياة في القبر بضرب من التأويل، والمراد بتلك الحياة نوع من الحياة غير معقول لنا وهي فوق حياة الشهداء بكثير، وحياة نبينا صلّى الله عليه وسلم أكمل وأتم من حياة سائرهم عليهم السّلام،

وخبر «ما من مسلم يسلم على إلا رد الله تعالى علي روحي حتى أرد عليه السّلام»

محمول على إثبات

<<  <  ج: ص:  >  >>