حال مقدرة وإن اعتبر الإرسال أمرا ممتدا لاعتبار التحمل والأداء في الشهادة، والإرسال بذلك الاعتبار وإن قارن التحمل إلا أنه غير مقارن للاداء وإن اعتبر الامتداد.
وقيل: بإطلاق الشهادة على التحمل فقط تكون الحال مقارنة والأحوال المذكورة بعد على اعتبار الامتداد مقارنة، ولك أن لا تعتبره أصلا فتكون الأحوال كلها مقدرة، ثم أن تحمل الشهادة على من عاصره صلّى الله عليه وسلم واطلع على عمله أمر ظاهر، وأما تحملها على من بعده بأعيانهم فإن كان مرادا أيضا ففيه خفاء لأن ظاهر الأخبار أنه عليه الصلاة والسلام لا يعرف أعمال من بعده بأعيانهم،
روى أبو بكر وأنس وحذيفة وسمرة وأبو الدرداء عنه صلّى الله عليه وسلم ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني فأقول: يا رب أصيحابي أصيحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
. نعم قد يقال: إنه عليه الصلاة والسلام يعلم بطاعات ومعاص تقع بعده من أمته لكن لا يعلم أعيان الطائعين والعاصين، وبهذا يجمع بين الحديث المذكور وحديث عرض الأعمال عليه صلّى الله عليه وسلم كل أسبوع أو أكثر أو أقل، وقيل: يجمع بابه عليه الصلاة والسلام يعلم الأعيان أيضا إلا أنه نسي فقال: أصيحابي، ولتعظيم قبح ما أحدثوا قيل له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وقيل: يعرض ما عدا الكفر وهون كما ترى، وأما زعم أن التحمل على من بعده إلى يوم القيامة لما أنه صلّى الله عليه وسلم حي بروحه وجسده يسير حيث شاء في أقطار الأرض والملكوت فمبني على ما علمت حاله، ولعل في هذين الخبرين ما يأباه كما لا يخفى على المتدبر، وأشار بعض السادة الصوفية إلى أن الله تعالى قد أطلعه صلّى الله عليه وسلم على أعمال العباد فنظر إليها ولذلك أطلق عليه عليه الصلاة والسلام شاهد. قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره العزيز في مثنويه:
در نظر بودش مقامات العباد ... زان سبب نامش خدا شاهد نهاد
فتأمل ولا تغفل، وقيل: المراد شاهدا على جميع الأمم يوم القيامة بأن أنبياءهم قد بلغوهم الرسالة ودعوهم إلى الله تعالى، وشهادته بذلك لما علمه من كتابه المجيد، وقيل: المراد شاهدا بأن لا إله إلا الله وَمُبَشِّراً تبشر الطائعين بالجنة وَنَذِيراً تنذر الكافرين والعاصين بالنار، ولعموم الإنذار وخصوص التبشير قيل: مبشرا ونذيرا على صيغة المبالغة دون ومنذرا مع أن ظاهر عطفه على مُبَشِّراً يقتضي ذلك وقدم التبشير لشرف المبشرين ولأنه المقصود الأصلي إذ هو صلّى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وكأنه لهذا جبر ما فاته من المبالغة بقوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وَداعِياً إِلَى اللَّهِ أي إلى الإقرار به سبحانه وبوحدانيته وبسائر ما يجب الإيمان به من صفاته وأفعاله عزّ وجلّ، ولعل هذا هو مراد ابن عباس وقتادة من قولهما أي شهادة أن لا إله إلا الله بِإِذْنِهِ أي بتسهيله وتيسيره تعالى، وأطلق الإذن على التسهيل مجازا لما أنه من أسبابه لا سيما الإذن من الله عزّ وجلّ ولم يحمل على حقيقته وإن صح هنا أن يأذن الله تعالى شأنه له عليه الصلاة والسلام حقيقة في الدعوة لأنه قد فهم من قوله سبحانه: إنا أرسلناك داعيا أنه صلّى الله عليه وسلم مأذون له في الدعوة، ومما ذكر يعلم أن بِإِذْنِهِ من متعلقات داعيا، وقيدت الدعوة بذلك إيذانا بأنها أمر صعب المنال وخطب في غاية الإعضال لا يتأتى إلا بإمداد من جناب قدسه كيف لا وهو صرف للوجوه عن القبل المعبودة وإدخال للأعناق في قلادة غير معهودة، وجوز رجوع القيد للجميع والأول أظهر وَسِراجاً مُنِيراً يستضيء به الضالون في ظلمات الجهل والغواية ويقتبس من نوره أنوار المهتدين إلى مناهج الرشد والهداية، وهو تشبيه إما مركب عقلي أو تمثيل منتزع من عدا أمور أو مفرق، وبولغ في الوصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته.
وقال الزجاج: هو معطوف على شاهدا بتقدير مضاف أي ذا سراج منير، وقال الفراء: إن شئت كان نصبا على معنى وتاليا سراجا منيرا، وعليهما السراج المنير القرآن، وإذا فسر بذلك احتمل على ما قيل أن يعطف على كاف