للنبي صلّى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم وقد أرجأها عليه الصلاة والسلام فتزوجها عثمان بن مظعون بإذنه صلّى الله عليه وسلم وقال بعضهم:
يجوز تعدد الواهبات فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن عروة بن الزبير قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلّى الله عليه وسلم فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قالت عائشة: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك فقوله: من اللاتي وهبن أنفسهن صريح في تعددهن، وأنكر بعضهم وقوع الهبة وقيل: إن قوله تعالى: إِنْ وَهَبَتْ يشير إلى عدم وقوعها وأنها أمر مفروض وكذا تنكير امْرَأَةً فالمراد الإعلام بالإحلال في هذه الصورة إن اتفقت وأنكر بعضهم القبول.
أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون أن ليلى بنت الحطيم وهبت نفسها للنبي صلّى الله عليه وسلم ووهبن نساء أنفسهن فلم نسمع أن النبي صلّى الله عليه وسلم قبل منهن أحدا، وما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال: لم يكن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له يحتمل نفي القبول ويحتمل نفي الهبة، وإيراده صلّى الله عليه وسلم في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه الصلاة والسلام حسب اختصاصها به كما ينطق به قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ويتضمن ذلك الإشارة إلى أن هبة من تهب لم تكن حرصا على الرجال وقضاء الوطر بل على الفوز بشرف خدمته صلّى الله عليه وسلم والنزول في معدن الفضل، وبذلك يعلم أن قول عائشة: ما في امرأة وهبت نفسها لرجل خير وكذا اعتراضها السابق صادر من شدة غيرتها رضي الله تعالى عنها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا بدع فالمحب غيور وقد قال بعض المحبين:
أغار إذا آنست في الحي أنة ... حذارا وخوفا أن تكون لحبه
ونصب خالِصَةً على أنه مصدر مؤكد للجملة قبله، وفاعله في المصادر على ما قال الزمخشري غير حريز كالعافية والكاذبة، وادعى أبو حيان عزتها، والكثير على تعلق ذلك بإحلال الواهبة أي خلص لك إحلالها خالصة أي خلوصا، وقال الزجاج: هو حال من امْرَأَةً لتخصصها بالوصف أي أحللناها خالصة لك لا تحل لأحد غيرك في الدنيا والآخرة.
وقال أبو البقاء: هو حال من ضمير وَهَبَتْ أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذاك خلوص لك وخصوص أو هي أي تلك المرأة أو الهبة خالصة لك لا تتجاوز المؤمنين.
واستدل الشافعية رضي الله تعالى عنهم به على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لأن اللفظ تابع للمعنى وقد خص عليه الصلاة والسلام بالمعنى فيختص باللفظ، وقال بعض أجلة أصحابنا في ذلك: إن المراد بالهبة في الآية تمليك المتعة بلا عوض بأي لفظ كان لا تمليكها بلفظ وهبت نفسي فحيث لم يكن ذلك نصافي التمليك بهذا اللفظ لم يصلح لأن يكون مناطا للخلاف في انعقاد النكاح بلفظ الهبة إيجابا وسلبا، ومعنى خلوص الإحلال المذكور له صلّى الله عليه وسلم من دون المؤمنين كونه متحققا في حقه غير متحقق في حقهم إذ لا بدّ في الإحلال لهم من مهر المثل.
وظاهر كلام العلامة ابن الهمام اعتبار لفظ الهبة حيث قال في الفتح: قد ورد النكاح بلفظ الهبة وساق الآية ثم قال: والأصل عدم الخصوصية حتى يقوم دليلها، وقوله تعالى: خالِصَةً لَكَ يرجع إلى عدم المهر بقرينة إعقابه بالتعليل بنفي الحرج فإن الحرج ليس في ترك لفظ إلى غيره خصوصا بالنسبة إلى أفصح العرب بل في لزوم المال، وبقرينة وقوعه في مقابلة المؤتى أجورهن فصار الحاصل أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهن والتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرا خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين أما هم فقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم إلخ من