للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحج، ولا يجوز قبل الإحرام ولا يتعين له يوم النحر بل يستحب ولا يأكل منه، وهذا مذهب الشافعي وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه دم نسك كدم القارن لأنه وجب عليه شكرا للجمع بين النسكين فهو كالأضحية ويذبح يوم النحر فَمَنْ لَمْ يَجِدْ أي الهدي وهو عطف على فَإِذا أَمِنْتُمْ.

فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أي فعليه صيام وقرىء فصيام بالنصب أي فليصم، وظرف الصوم محذوف إذ يمتنع أن يكون شيء من أعمال الحج ظرفا له، فقال أبو حنيفة: المراد في وقت الحج مطلقا لكن بين الإحرامين إحرام الحج وإحرام العمرة وهو كناية عن عدم التحلل عنهما فيشمل ما إذا وقع قبل إحرام الحج سواء تحلل من العمرة أولا، وما وقع بعده بدليل أنه إذا قدر على الهدي بعد صوم الثلاثة قبل التحلل وجب عليه الذبح ولو قدر عليه بعد التحلل لا يجب عليه لحصول المقصد بالصوم وهو التحلل، وقال الشافعي: المراد وقت أداء الحج وهو أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل، ولا يجوز الصوم عنده قبل إحرام الحج، والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه لأنه غاية ما يمكن في التأخير لاحتمال القدرة على الأصل وهو الهدي، ولا يجوز يوم النحر وأيام التشريق لكون الصوم منهيا فيها، وجوز بعضهم صوم الثلاثة الأخيرة احتجاجا بما

أخرجه ابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال: رخص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاته أيام العشر أن يصوم أيام التشريق مكانها،

وأخرج مالك عن الزهري قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن حذافة فنادى في أيام التشريق فقال: إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى إلا من كان عليه صوم من هدي» وأخرج الدارقطني مثله من طريق سعيد بن المسيب،

وأخرج البخاري وجماعة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لم يرخص صلى الله تعالى عليه وسلم في أيام التشريق أن يصمن إلا لمتمتع لم يجد هديا،

وبذلك أخذ الإمام مالك ولعل ساداتنا الحنفية عولوا على أحاديث النهي وقالوا: إذا فاته الصوم حتى أتى يوم النحر لم يجزه إلا الدم ولا يقضيه بعد أيام التشريق كما ذهب إليه الشافعية لأنه بدل والأبدال لا تنصب إلا شرعا والنص خصه بوقت الحج وجواز الدم على الأصل وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أمر في مثله بذبح الشاة..

وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ أي فرغتم ونفرتم من أعماله، فذكر الرجوع وأريد سببه، أو المعنى إذا رجعتم من مني، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه- على ما هو الأصح عند معظم أصحابه: إذا رجعتم إلى أهليكم، ويؤيده ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه «إذا رجعتم إلى أمصاركم» وأن لفظ الرجوع أظهر في هذا المعنى، وحكم ناوي الإقامة بمكة توطنا حكم الراجع إلى وطنه لأن الشرع أقام موضع الإقامة مقام الوطن، وفي البحر المراد بالرجوع إلى الأهل الشروع فيه- عند بعض- والفراغ بالوصول إليهم- عند آخرين- وفي الكلام التفات، وحمل على معنى بعد الحمل (١) على لفظه في إفراده وغيبته وقرىء «سبعة» بالنصب عطفا على محل ثَلاثَةِ أَيَّامٍ لأنه مفعول اتساعا، ومن لم يجوزه قدر- وصوموا- وعليه أبو حيان.

تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ الإشارة إلى- الثلاثة، والسبعة- ومميز العدد محذوف أي «أيام» وإثبات- التاء- في العدد مع حذف المميز أحسن الاستعمالين، وفائدة الفذلكة أن لا يتوهم أن- الواو- بمعنى أو التخييرية، وقد نص السيرافي في شرح الكتاب على مجيئها لذلك، وليس تقدم الأمر الصريح شرطا فيه بل الخبر الذي هو بمعنى الأمر


(١) قوله: (وحمل على معنى بعد الحمل) كذا بخط المؤلف ولعله سقط (من) قلمه لفظ من سهوا أي وحمل على معنى من بعد الحمل إلخ اهـ مصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>