ولعل الإشارة في الآيات بعد ظاهرة لمن له أدنى التفات بيد أنهم أطالوا الكلام في الأمانة المذكورة في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الآية فلنذكر بعضا من ذلك فنقول: قال الشيخ محيي الدين قدس سره في بلغة الغواص:
إن الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها هي السعة لمعرفة الله تعالى فلم يوجد في السماوات والأرض قبول لما قبله الإنسان بهذا التأليف الصوري إذ هو ثمرة العالم فهو يرى نفسه في العالم ويرى ربه سبحانه بالعالم الذي هو نفسه من حيث هو كل العالم فلذلك اتسع لما لم يسعه العالم ولذلك خصه سبحانه بالسعة حيث أخبر جل شأنه أنه لم يسعه سماواته ولا أرضه ووسعه قلب المؤمن من نوع الإنسان انتهى.
وكأنه أراد بكونه وسع الحق سبحانه كونه مظهرا جامعا للأسماء والصفات على وجه لا ينافي تنزيه الحق جل جلاله، وهذا قريب مما ذكرناه في التفسير وقلنا إنه مشرب صوفي كما لا يخفي، وقال آخر: هي عبارة عن الفيض الإلهي بلا واسطة وحمله خاص بالإنسان لأن نسبته مع المخلوقات كنسبة القلب مع الشخص فالعالم شخص وقلبه الإنسان فكما أن القلب حامل للروح بلا واسطة وتسري منه بواسطة العروق والشرايين ونحوها إلى سائر البدن كذلك الإنسان حامل للفيض الإلهي بلا واسطة ويسري منه إلى ظاهر الكون وباطنه بواسطة ظاهره وباطنه من أعمال البدن والروح فظاهر العالم وباطنه معموران بظاهر الإنسان وباطنه وهذا سر الخلافة ومعنى كونه ظلوما أنه ظالم لنفسه حيث استعد لأن يحمل أمرا عظيما وكونه جهولا أنه جاهل بها حيث لم يعرف حقيقتها ولم يدرك منها سوى الصورة الحيوانية المتصفة بالصفات البهيمية من الأكل والشرب والنكاح وهاتان الصفتان في حق حاملي الأمانة ومؤدي حقها من حيث إنهما صارتا سببا لحمل الأمانة صفتا مدح وفي حق الخائنين صفتا ذم والشيء قد يكون ذما في حق شخص ومدحا في حق آخر، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل ومنه الاستمداد في فهم كلامه العزيز الجليل.