المشبهة إلى مرفوعها الْحَجُّ أَشْهُرٌ أي وقته ذلك وبه يصح الحمل، وقيل: ذو أشهر أو حج أشهر، وقيل: لا تقدير، ويجعل الحج الذي هو فعل من الأفعال عين الزمان مبالغة، ولا يخفى أن المقصد بيان وقت الحج كما يدل عليه ما بعد فالتنصيص عليه أولى، ومعنى قوله سبحانه وتعالى: مَعْلُوماتٌ معروفات عند الناس وهي شوال وذو القعدة.
وعشر من ذي الحجة عندنا، وهو المروي عن ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وابن عمر والحسن رضي الله تعالى عنهم، وأيد بأن يوم النحر وقت لركن من أركان الحج- وهو طواف الزيارة- وبأنه فسر يوم الحج الأكبر بيوم النحر، وعند مالك الشهران الأولان وذو الحجة كله عملا بظاهر لفظ الأشهر، ولأنّ أيام النحر يفعل فيها بعض أعمال الحج من طواف الزيارة، والحلق، ورمي الجمار، والمرأة إذا حاضت تؤخر الطواف الذي لا بد منه إلى انقضاء أيامه بعد العشرة، ولأنه يجوز- كما قيل- تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر، على ما روي عن عروة بن الزبير- ولأن ظواهر الأخبار ناطقة بذلك،
فقد أخرج الطبراني والخطيب وغيرهما بطرق مختلفة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عد «الثلاثة أشهر الحج»
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عمر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك. وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه الشهران الأولان وتسع ذي الحجة بليلة النحر لأن الحج يفوت بطلوع الفجر من يوم النحر، والعبادة لا تكون فائتة مع بقاء وقتها، قاله الرازي، وفيه أن فوته بفوت ركنه الأعظم- وهو الوقوف- لا بفوت وقته مطلقا، ومدار الخلاف أنّ المراد بوقته وقت مناسكه وأعماله من غير كراهة وما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقا- أو وقت إحرامه- والشافعي رضي الله تعالى عنه- على الأخير- والإحرام لا يصح بعد طلوع فجر يوم النحر لعدم إمكان الأداء، وإن جاز أداء بعض أعمال الحج في أيام النحر، ومالك على الثاني فإنه- على ما قيل- كره الاعتمار في بقية ذي الحجة، لما روي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه كان يخوّف الناس بالدرّة وينهاهم عن ذلك فيهن، وإنّ ابنه رضي الله تعالى عنه قال لرجل: إن أطعتني انتظرت حتى إذا هلّ المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة.
والإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على الأول لكون العاشر وقتا لأداء الرمي، والحلق وغيرهما، وغيرها من بقية أيام النحر- وإن كان وقتا لذلك أيضا- إلا أنه خصص بالعشر اقتضاء لما روي في الآثار من ذكر العشر، ولعل وجهه أنّ المراد الوقت الذي يتمكن فيه المكلف من الفراغ عن مناسكه بحيث يحل له كل شيء وهو اليوم العاشر وما سواه من بقية أيام النحر، فللتيسير في أداء الطواف، ولتكميل الرمي، و «الأشهر» مستعمل في حقيقته إلا أنه تجوز في بعض أفراده، فإن أقل الجمع ثلاثة أفراد عند الجمهور فجعل بعض من فرد فردا ثم جمع، وقيل: إنه مجاز فيما فوق الواحد بعلاقة الاجتماع، وليس من الجمع حقيقة بناء على المذهب المرجوح فيه لأنه إنما يصح إطلاقه على اثنين فقط، أو ثلاثة- لا على اثنين- وبعض ثالث، والقول- بأن المراد به اثنان والثالث في حكم العدم- وقيل: المراد ثلاثة، ولا تجوز في بعض الأفراد لأن أسماء الظروف تطلق على بعضها حقيقة لأنها على معنى- في- فيقال: رأيته في سنة كذا. أو شهر كذا أو يوم كذا. وأنت قد رأيته في ساعة من ذلك- ولعله قريب إلى الحق- وصيغة جمع المذكر في غير العقلاء تجيء- بالألف والتاء فَمَنْ فَرَضَ أي ألزم نفسه فِيهِنَّ الْحَجَّ بالإحرام، ويصير محرما- بمجرد النية- عند الشافعي لكون الإحرام التزام الكف عن المحظورات فيصير شارعا فيه بمجردها كالصوم، وعندنا- لا- بل لا بد من مقارنة التلبية لأنه عقد على الأداء فلا بد من ذكر كما في تحريمه الصلاة، ولما كان باب الحج أوسع من باب الصلاة كفى ذكر يقصد به التعظيم سوى التلبية- فارسيا كان أو عربيا- وفعل كذلك من سوق الْهَدْيِ أو تقليده، واستدل بالآية على أنه لا يجوز الإحرام بالحج إلا في تلك الأشهر، كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه وعطاء وغيرهما. إذ لو جاز في غيرها- كما ذهب إليه الحنفية- لما كان لقوله سبحانه: فِيهِنَّ فائدة، وأجيب بأن فائدة