المصدرتان بأولئك هما نفس الثواب والعقاب، ويحتمل أن يكونا مستأنفين والثواب والعقاب غير ما تضمنتا مما هو أعظم كرضا الله تعالى عن المؤمن دائما وسخطه على الكافر دائما، وفيه أنه كيف يتأتى حمل ذلك على رضا الله تعالى وضده وقد صرح أولا بالمغفرة والرزق الكريم وفي مقابله بالعذاب الأليم وجعل الأول جزاء.
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي ويعلم أولو العلم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمته عليه الصلاة والسلام أو من آمن من علماء أهل الكتاب كما روى عن قتادة كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما رضي الله تعالى عنهم الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي القرآن هُوَ الْحَقَّ بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى والمفعول الأول هو الموصول الثاني وهُوَ ضمير الفصل.
وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على جعل الضمير مبتدأ وجعله خبرا والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ، وقوله تعالى: وَيَرَى إلخ ابتداء كلام غير معطوف على ما قبله مسوق للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات. وفي الكشف هو عطف على قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ على معنى وقال الجهلة: لا ساعة وعلم أولى العلم أنه الحق الذي نطق به المنزل إليك الحق. وتعقب بأنه تكلف بعيد فإن دلالة النظم الكريم على الاهتمام بشأن القرآن لا غير، وقيل عليه: أنت خبير بأن ما قبله من قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ وقوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ إلخ في شأن الساعة ومنكري الحشر فكيف يكون ما ذكر بعيدا بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن بطريق الاستطراد والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة، وقال الطبري والثعلبي: إن يَرَى منصوب بفتحة مقدرة عطفا على يجزي أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة معاينة أنه الحق حسبما علموه قبل برهانا ويحتجوا به على المكذبين وعليه فقوله تعالى: وَالَّذِينَ سَعَوْا معطوف على الموصول الأول أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضر الفصل كما توهم، وجوز أن يراد بأولى العلم من لم يؤمن من الأحبار أي ليعلموا يومئذ أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغما. وتعقب بأن وصفهم بأولى العلم يأباه لأنه صفة مادحة ولعل المجوز لا يسلم هذا، نعم كون ذلك بعيدا لا ينكر لا سيما وظاهر المقابلة بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يقتضي الحمل على المؤمنين وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الذي يقهر ولا يقهر الْحَمِيدِ المحمود في جميع شؤونه عزّ وجلّ، والمراد بصراطه تعالى التوحيد والتقوى، وفاعل يهدي إما ضمير الَّذِي أُنْزِلَ أو ضمير الله تعالى ففي الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ التفات، والجملة على الأول إما مستأنفة أو في موضع الحال من الَّذِي على إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كما في قوله:
نجوت وأرهنهم مالكا أو معطوفة على الْحَقَّ بتقدير وإنه يهدي وجوز أن يكون يهدي معطوفا على الْحَقَّ عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى: صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ [الملك: ١٩] أي قابضات وبعكسه قوله:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هم كفار قريش قالوا مخاطبا بعضهم لبعض على جهة التعجب والاستهزاء هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون به النبي صلّى الله عليه وسلم والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بذلك من باب التجاهل كأنهم لم يعرفوا منه صلّى الله عليه وسلم إلا أنه رجل وهو عليه الصلاة والسلام عندهم أظهر من الشمس:
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم