للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن الحسن أن معنى أَوِّبِي مَعَهُ سيري معه أين سار، والتأويب سير النهار كأن الإنسان يسير الليل ثم يرجع السير بالنهار أي يردده.

ومن ذلك قول تميم بن مقبل:

لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما ... دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح

وقول آخر:

يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب

وأورد عليه أن الجبال أوتاد الأرض ولم ينقل سيرها مع داود عليه السّلام أو غيره، وقيل: المعنى تصرفي معه على ما يتصرف فيه فكانت إذا سبح سبحت وإذا ناح ناحت وإذا قرأ الزبور قرأت. وتعقب بأنه لم يعرف التأويب بمعنى التصرف في لغة العرب، وقيل: المعنى ارجعي إلى مراده فيما يريد من حفر واستنباط أعين واستخراج معدن ووضع طريق، والجملة معمولة لقول مضمر أي قولنا يا جبال على أنه بدل من فَضْلًا بدل كل من كل أو بدل اشتمال أو قلنا يا جبال على أنه بدل من آتَيْنا وجوز كونه بدلا من فَضْلًا بناء على أنه يجوز إبدال الجملة من المفرد، وجوز أبو حيان الاستئناف وليس بذاك.

وقرأ ابن عباس والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق «أوبي» بضم الهمزة وسكون الواو أمر من الأوب وهو الرجوع وفرق بينهما الراغب بأن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة والرجوع يقال فيه وفي غيره.

والمعنى على هذه القراءة عند الجمهور ارجعي معه في التسبيح وأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنثة لأن جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك، ومنه يا خيل الله اركبي وكذا مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] وقد جاء ذلك في جمع من يعقل من المؤنث قال الشاعر:

تركنا الخيل والنعم المفدى ... وقلنا للنساء بها أقيمي

لكن هذا قليل وَالطَّيْرَ بالنصب وهو عند أبي عمرو بن العلاء بإضمار فعل تقديره وسخرنا له الطير وحكى أبو عبيدة عنه أن ذاك بالعطف على فَضْلًا ولا حاجة إلى الإضمار لأن إيتاءها إياه عليه السّلام تسخيرها له، وذكر الطيبي أن ذلك كقوله:

علفتها تبنا وماء باردا وقال الكسائي: بالعطف أيضا إلا أنه قدر مضافا أي وتسبيح لطير ولا يحتاج إليه، وقال سيبويه: الطير معطوف على محل جِبالُ نحو قوله:

ألا يا زيد والضحاك سيرا بنصب الضحاك، ومنعه بعض النحويين للزوم دخول يا على المنادى المعرف بأل.

والمجيز يقول: رب شيء يجوز تبعا ولا يجوز استقلالا، وقال الزجاج: هو منصوب على أنه مفعول معه. وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز لأن قبله مَعَهُ ولا يقتضي اثنين من المفعول معه إلا على البدل أو العطف فكما لا يجوز جاء زيد مع عمرو مع زينب إلا بالعطف كذلك هذا، وقال الخفاجي: لا يأباه مَعَهُ سواء تعلق بأوبي على أنه ظرف لغو أو جعل حالا لأنهما معمولان متغايران إذ الظرف والحال غير المفعول معه وكل منها باب على حده وإنما الموهم

<<  <  ج: ص:  >  >>