للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال وصَدَّقَ مفسر بما مر، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به والفعل متعد إليه بنفسه لأن الصدق أصله في الأقوال والقول مما يتعدى إلى المفعول به بنفسه، والمعنى حقق ظنه كما في الحديث «صدق وعده ونصر عبده» وقوله تعالى: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: ٢٣] .

وقرأ زيد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم والزهري وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب «إبليس» ورفع «ظنّه» كذا في البحر والظان ذلك مع قراءة «صدّق» بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر ابن جني أن الزهري كان يقرأ ذلك مع تخفيف «صدق» أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم.

وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو «إبليس ظنّه» برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم الزمخشري القارئ بذلك فقال قرىء بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرىء بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في صَدَّقَ كقوله:

فدت نفسي وما ملكت يميني ... فوارس صدقت فيهم ظنوني

وهو ظاهر في أنه لم يقرأ أحد بذلك والله تعالى أعلم، وعلى جميع القراءات عَلَيْهِمْ متعلق بالفعل السابق وليس متعلقا بالظن على شيء منها فَاتَّبَعُوهُ أي سبأ وقيل بنو آدم إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه على أن من بيانية، وتقليلهم إما لقلتهم في حد ذاتهم أو لقلتهم بالإضافة إلى الكفار، وهذا متعين على القول برجوع الضمير إلى بني آدم، وكأني بك تختار كون القلة في حد ذاتهم على القول برجوع الضمير إلى سبأ لعدم شيوع كثرة المؤمنين في حد ذاتهم منهم أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون فمن تبعيضية والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعم من الكفر.

وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.

إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ استثناء مفرغ من أعم العلل، ومِنْ موصولة وجعلها استفهامية بعيد، والعلم المستقبل المعلل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب وهو مضمن معنى التميز لمكان من أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا لتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء وإلى هذا يشير كلام كثير من أئمة التفسير، وقيل: المعنى لنجعل المؤمن متميزا من غيره في الخارج فيتميز عند الناس، وقيل:

المراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه فكأنه قيل ما كان ذلك لأمر من الأمور إلا ليؤمن من قدر إيمانه ويضل من قدر ضلاله، وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة لما فيه من جعل المعلوم عين العلم، وقيل المراد بالعلم الجزاء فكأنه قيل على الإيمان وضده، وقيل: العلم على ظاهره إلا أن المستقبل بمعنى الماضي وعلم الله تعالى الأزلي بأهل الشك يستدعي تسلط الشيطان عليهم.

وقيل: المراد لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم ذلك وإنما يعمل ليعلم، وقيل: المراد ليعلم أولياؤنا وحزبنا ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال، وكان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها وعدل عنه إلى ما فيه النظم الجليل لنكتة وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة، وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد، وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت، ونون شكا للتقليل، وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه،

<<  <  ج: ص:  >  >>