يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ في أنفسكم وفيما يعن لكم من أمر مهم أو خطب ملم، وتعريف الْفُقَراءُ للجنس أو للاستغراق إذ لا عهد، وعرف كذلك للمبالغة في فقرهم كأنهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياجهم هم الفقراء فحسب وأن افتقار سائر الخلائق بالنسبة إلى فقرهم بمنزلة العدم ولذلك قال تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً [النساء: ٢٨] ولا يرد الجن إذ هم لا يحتاجون في المطعم والملبس وغيرهما كما يحتاج الإنسان وضعفهم ليس كضعفه فلا حاجة إلى إدخالهم في الناس تغليبا على أنه قيل لا يضر ذلك إذ الكلام مع من يظهر القوة والعناد من الناس، والقول أن القصر إضافي بالنسبة إليه تعالى لا يخفى ما فيه، وقال صاحب الفرائد: الوجه أن يقال والله تعالى أعلم المراد الناس وغيرهم وهو على طريقة تغليب الحاضر على الغائب وأولي العلم على غيرهم، وهو بعيد جدا.
وقال العلامة الطيبي: الذي يقتضيه النظم الجليل أن يحمل التعريف في الناس على العهد وفي الفقراء على الجنس لأن المخاطبين هم الذي خوطبوا في قوله تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ الآية أي ذلكم المعبود هو الذي وصف بصفات الجلال لا الذين تدعون من دونه وأنتم أشد الخلائق احتياجا إليه عزّ وجلّ ولا يخلو عن حسن وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ عن كل شيء لا غيره الْحَمِيدُ المنعم على جميع الموجودات المستحق بإنعامه سبحانه للحمد، وأصله المحمود وأريد به ذلك على طريق الكناية ليناسب ذكره بعد فقرهم إذ الغني لا ينفع الفقير إلا إذا كان جوادا منعما ومثله مستحق للحمد، وهذا كالتكميل لما قبله كما في قول كعب الغنوي:
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب
ويدخل في عموم المستغني عنه المخاطبون وعبادتهم، وفي كلام الطيبي رائحة التخصيص حيث قال ما سمعت نقله وهو سبحانه غني عنكم وعن عبادتكم لأنه تعالى حميد له عباد يحمدونه وإن لم تحمدوه أنتم والأولى التعميم.
وما روي في سبب النزول من أنه لما كثر من النبي صلّى الله عليه وسلم الدعاء وكثر الإصرار من الكفار قالوا لعل الله تعالى محتاج لعبادتنا فنزلت لا يقتضي شيئا من التخصيص في الآية كما لا يخفى إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أي إن يشأ سبحانه إذهابكم أيها الناس والإتيان بخلق جديد يذهبكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ بعالم غير الناس لا تعرفونه هذا إذا كان الخطاب عاما أو إن يشأ يذهبكم أيها المشركون أو العرب ويأت بخلق جديد ليسوا على صفتكم بل مستمرون على طاعته وتوحيده. وهذا إذا كان الخطاب خاصا، وتفسير الجديد بما سمعت مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأيا ما كان فالجملة تقرير لاستغنائه عزّ وجلّ وَما ذلِكَ أي ما ذكر من إذهابهم والإتيان بخلق جديد عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أي بصعب فإن أمره تعالى إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
وإن كان في الناس تغليب الحاضر على الغائب وأولى العلم على غيرهم وكان الخطاب هنا على ذلك الطرز وقلنا إن الآية تشعر بأن ما يأتي به سبحانه من العالم أبدع أشكل بحسب الظاهر قول حجة الإسلام ليس في الإمكان أبدع مما كان. وأجيب بأن ذلك على فرض وقوعه داخل في حيز ما كان وهو مع هذا العالم كبعض أجزاء هذا العالم مع بعض أو بأن الأبدعية المشعور بها بمعنى والأبدعية في كلام حجة الإسلام بمعنى آخر فتدبر.
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ أي لا تحمل نفس آثمة وِزْرَ أُخْرى أي إثم نفس أخرى بل تحمل كل نفس وزرها.