للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حيان: لا تجوز البدلية لأنه إذا أبدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بدّ من دخول الأداة على البدل، وأيضا إبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل على نية تكرار العامل ولا يتأتى ذلك هاهنا لأنه لا عامل لأرأيتم ثم قال: والذي أذهب إليه أن أَرَأَيْتُمْ بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الاستفهام كقول العرب أرأيت زيدا ما صنع فالأول هنا شُرَكاءَكُمُ والثاني ماذا خَلَقُوا وأَرُونِي جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد، ويحتمل أن يكون ذلك أيضا من باب الأعمال لأنه توارد على ماذا خَلَقُوا أرأيتم. وأروني لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأى التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم: أما ترى أي برق هاهنا ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين فانتهى، وما ذكره احتمال في الآية الكريمة كما أن ما ذكر أولا احتمال وما قاله في رده ليس بشيء، أما الأول فلأن لزوم دخول الأداة على البدل فيما إذا كان الاستفهام باق على معناه أما إذا نسخ عنه كما هنا فليس ذلك بلازم، وأما الثاني فلأن أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما

وأما الثالث فلأن كون البدل على نية تكرار العامل إنما هو كما نقل الخفاجي عنهم في بدل المفردات.

وليس لك أن تقول العامل هنا موجود وهو قُلْ لأن العبرة بالمقول ولا عامل فيه إذ يقال وهو ظاهر، وجوز أن لا يكون أَرَأَيْتُمْ بمعنى أخبروني بل المراد حقيقة الاستفهام عن الرؤية وأروني أمر تعجيز للتبيين أي أعلمتم هذه التي تدعونها ما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها أو كنتم توهمتم فيها قدرة فأروني أثرها، وما تقدم أظهر أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أي بل ألهم شركة مع الله عزّ وجلّ في خلق السماوات حتى يستحقوا ما زعمتم فيهم، وقال بعضهم: الأولى أن لا يقدر مضاف على أن المعنى أم لهم شركة معه سبحانه في السماوات خلقا وإبقاء وتصرفا لأن المقصود نفي آيات الإلهية عن الشركاء وليست محصورة في الخلق والتقدير أوفق بما قبله، والكلام قيل من باب التدرج من الاستقلال إلى الشركة ثم منها إلى حجة وبينة مكتوبة بالشركة كأنه قيل: أخبروني عن الذين تدعون من دون الله هل استبدوا بخلق شيء من الأرض حتى يكونوا معبودين مثل الله تعالى بل ألهم شركة معه سبحانه في خلق السماوات أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً أي بل آتيناهم كتابا ينطق بأنا اتخذناهم شركاء فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة معنا.

وقال في الكشف: الظاهر أن الكلام مبني على الترقي في إثبات الشركة لأن الاستبداد بخلق جزء من الأرض شركة ما معه عزّ وجلّ والاشتراك معه سبحانه في خلق السماوات أدل على إثباتها ثم إيتاء كتاب منه تعالى على أنهم شركاؤه أدل وأدل، وقيل: هم في آتَيْناهُمْ للمشركين وكذا في- فهم- كما في قوله تعالى: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً [الروم: ٣٥] إلخ ففي الكلام التفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة إعراضا عن المشركين وتنزيلا لهم منزلة الغيب.

والمعنى أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل يحكم بصحة عبادة من لا يخلق جزءا ما من الأرض دلالة شرك في السماء وإما بالنقل ولم نؤت المشركين كتابا فيه الأمر بعبادة هؤلاء، وفيه تفكيك للضمائر، وقال بعضهم: ضمير آتَيْناهُمْ للشركاء كالضمائر السابقة وضمير فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ للمشركين وأَمْ منقطعة للإضراب عن الكلام السابق وزعم أن لا التفات حينئذ ولا تفكيك فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>