المعمة تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة وتكابد عنه بلوى الدنيا والآخرة وتدفع عنه أهاويل الدنيا والآخرة، وتدعى المدافعة القاضية تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة» الخبر (١)
وتعقبه البيهقي فقال: تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني عن سليمان بن دفاع وهو منكر، وهي على ما أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس مكية، واستثنى منها بعضهم قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى الآية مدعيا أنها نزلت بالمدينة لما أراد بنو سلمة النقلة إلى قرب مسجد النبي صلّى الله عليه وسلم وكانوا في ناحية المدينة
فقال عليه الصلاة والسلام: «إن آثاركم تكتب»
فلم ينتقلوا، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما قيل في ذلك وقوله سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ الآية لأنها نزلت في المنافقين فتكون مدنية.
وتعقب بأنه لا صحة له، وآيها ثلاث وثمانون آية في الكوفي واثنتان وثمانون في غيره، وجاء مما يشهد بفضلها وعلو شأنها عدة أخبار وآثار وقد مر آنفا بعض ذلك، وصح من حديث معقل بن يسار لا يقرؤوها عبد يريد الله تعالى والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وأخرج الترمذي والدارمي من حديث أنس «من قرأ يس كتب الله تعالى له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات»
ولا يلزم من هذا تفضيل الشيء على نفسه إذ المراد بقراءة القرآن قراءته دون يس، وقال الخفاجي: لا يلزم ذلك إذ يكفي في صحة التفضيل المذكور التغاير الاعتباري فإن يس من حيث تلاوتها فردة غير كونها مقروءة في جملته كما إذا قلت: الحسناء في الحلة الحمراء أحسن منها في البيضاء وقد يكون للشيء مفردا ما ليس له مجموعا مع غيره كما يشاهد في بعض الأدوية ورجا أن يكون أقرب مما قدمنا وأنا لا أرجو ذلك، والظاهر أنه يكتب له الثواب المذكور مضاعفا أي كل حرف بعشرة حسنات ولا بدع في تفضيل العمل القليل على الكثير فلله تعالى أن يمن بما شاء على من شاء، ألا ترى ما صح أن هذه الأمة أقصر الأمم أعمارا وأكثرها ثوابا وأنكر الخصوصيات مكابرة، ولله تعالى در من قال:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
وذكر بعضهم أن من قرأها أعطي من الأجر كمن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي قلابة- وهو من كبار التابعين- أن من قرأها فكأنما قرأ القرآن إحدى عشرة مرة.
وعن أبي سعيد أنه قال من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن مرتين.
وحديث العشر مرفوع عن ابن عباس ومعقل بن يسار وعقبة بن عامر وأبي هريرة وأنس رضي الله تعالى عنهم فعليه المعول، ووجهه اتصالها بما قبلها على ما قاله الجلال السيوطي أنه لما ذكر في سورة [فاطر: ٣٧، ٤٢] قوله سبحانه: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ وقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ إلى قوله سبحانه: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وأريد به محمد صلّى الله عليه وسلم وقد أعرضوا عنه وكذبوه افتتح هذه السورة بالإقسام على صحة رسالته عليه الصلاة والسلام وأنه على صراط مستقيم لينذر قوما ما أنذر آباؤهم وقال سبحانه في [فاطر: ١٣] وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ وفي هذه السورة وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ... وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس: ٣٨] إلى غير ذلك ولا يخفى أن أمر المناسبة يتم على تفسير النذير بغيره صلّى الله عليه وسلم أيضا فتأمل.
(١) وأخرج الخطيب عن أنس مثله اهـ منه.