للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طائِرُكُمْ أي حظكم ونصيبكم من الخير والشر معكم من أفعالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش «طيركم» بياء ساكنة بعد الطاء، قال الزجاج: الطائر والطير بمعنى، وفي القاموس الطير جمع طائر وقد يقع على الواحد وذكر أن الطير لم يقع في القرآن الكريم إلا جمعا كقوله تعالى: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ [النور: ٤١] فإذا كان في هذه القراءة كذلك فطائر وإن كان مفردا لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع فالقراءتان متوافقتان، وعن الحسن أنه قرأ «أطيركم» مصدر أطير الذي أصله تطير فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بهمزتين الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة إن الشرطية حققها الكوفيون وابن عامر وسهلها باقي السبعة.

واختلف سيبويه ويونس فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه وكأنه يستغني به عن تقدير جواب الشرط فالمعنى عليه أئن ذكرتم ووعظتم بما فيه سعادتكم تتطيرون أو تتوعدون أو نحو ذلك ويقدر مضارع مرفوع وإن شئت قدرت ماضيا كتطيرتم.

وذهب يونس إلى إجابة الشرط وكأنه يستغني به عن إجابة الاستفهام وتقدير مصب له فالتقدير أئن ذكرتم تتطيروا أو نحوه مما يدل عليه ما قبل ويقدر مضارع مجزوم وإن شئت قدرت ماضيا مجزوم المحل. وقرأ زر بهمزتين مفتوحتين وهي قراءة أبي جعفر. وطلحة إلا أنهما لينا الثانية بين بين، وعلى تحقيقهما جاء قول الشاعر:

إن كنت داود بن أحوى مرجلا ... فلست براع لابن عمك محرما

فالهمزة الأولى للاستفهام والثانية همزة إن المصدرية والكلام على تقدير حرف لام الجر أي ألأن ذكرتم تطيرتم.

وقرأ الماجشون يوسف بني عقوب المدني بهمزة واحدة مفتوحة فيحتمل تقدير همزة الاستفهام فتتحد هذه القراءة والتي قبلها معنى، ويحتمل عدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر، وهو على ما قيل مسوق للتعجب والتوبيخ، وتقدير حرف الجر على حاله، والجر متعلق بمحذوف على ما يشعر به كلام الكشاف أي تطيرتم لأن ذكرتم، وقال ابن جني إِنْ ذُكِّرْتُمْ على هذه القراءة معمول طائِرُكُمْ مَعَكُمْ فإنهم لما قالوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ أجيبوا بل طائركم معكم إن ذكرتم أي هو معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا فاكتفي بالسبب الذي هو التذكير عن المسبب الذي هو الانتهاء كما وصفوا الطائر موضع مسببه وهو التشاؤم لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيب الغراب أو بروحه. وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسورة وفي ذلك احتمالان تقدير الهمزة فتتحد هذه القراءة وقراءة الجمهور وعدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر والجواب محذوف لدلالة ما قبل عليه وتقديره كما تقدم، وقرأ أبو عمرو في رواية وزر أيضا بهمزتين مفتوحتين بينهما مدة كأنه استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف. وقرأ أيضا أبو جعفر والحسن وكذا قرأ قتادة والأعمش وغيرهما «أين» بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون «ذكرتم» بتخفيف الكاف على أن أين ظرف أداة شرط وجوابها محذوف لدلالة طائركم عليه على ما قيل أي أين ذكرتم صحبكم طائركم والمراد شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم وفيه من المبالغة بشؤمهم ما لا يخفى.

وفي البحر من جوز تقديم الجزاء على الشرط وهم الكوفيون وأبو زيد والمبرد يجوز أن يكون الجواب طائركم معكم وكان أصله أين ذكرتم فطائركم معكم فلما قدم حذفت الفاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أي عادتكم الإسراف ومجاوزة الحد في العصيان مستمرون عليه فمن ثم أتاكم الشؤم لا من قبل رسل الله تعالى وتذكيرهم فهو إضراب عما يقتضيه قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ من إنكار أن يكون ما هو سبب السعادات أجمع سبب الشؤم لأنه تنبيه وتعريك إلى البت عليهم بلزام الشؤم وإثبات الإسراف الذي هو أبلغ وهو جالب الشؤم كله أو بل أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ في

<<  <  ج: ص:  >  >>