مواضع، وعن نافع أنه قرأ بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الصاد المكسورة، وفيها الجمع بين الساكنين على حده المعروف، وكأنه يجوز الجمع بينهما إذا كان الثاني مدغما كان الأول حرف مد أيضا أم لا، وهذا ما اخترناه في نقل القراءات تبعا لبعض الأجلة والرواة في ذلك مختلفون.
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً في شيء من أمورهم إذا كانوا فيما بين أهليهم، ونصب تَوْصِيَةً على أنه مفعول به ليستطيعون، وجوز أن يكون مفعولا مطلقا لمقدر وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ إذا كانوا في خارج أبوابهم بل تبغتهم الصيحة فيموتون حيثما كانوا ويرجعون إلى الله عز وجل لا إلى غيره سبحانه. وقرأ ابن محيصن «يرجعون» بالبناء للمفعول والضمائر للقائلين مَتى هذَا الْوَعْدُ لا من حيث أعيانهم أعني أهل مكة الذين كانوا وقت النزول بل لمنكري البعث مطلقا وَنُفِخَ فِي الصُّورِ هي النفخة الثانية بينها وبين الأولى أربعون أي النفخ فيه، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع.
وقرأ الأعرج «الصور» بفتح الواو وقد مر الكلام في ذلك فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ أي القبور جمع جدث بفتحتين، وقرىء بالفاء بدل الثاء والمعنى واحد إِلى رَبِّهِمْ مالك أمرهم يَنْسِلُونَ يسرعون بطريق الإجبار لقوله تعالى لَدَيْنا مُحْضَرُونَ قيل: وذكر الرب للإشارة إلى إسراعهم بعد الإساءة إلى من أحسن إليهم حين اضطروا إليه، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: ٦٨] لجواز اجتماع القيام والنظر والمشي أو لتقارب زمان القيام ناظرين وزمان الإسراع في المشي. وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو عمرو بخلاف عنه بضم السين قالُوا أي في ابتداء بعثهم من القبور يا وَيْلَنا أي هلاكنا أحضر فهذا أوانك وقيل أي يا قومنا انظروا ويلنا وتعجبوا منه، وعلى حذف المنادي قيل وي كلمة تعجب ولنا بيان ونسب للكوفيين وليس بشيء.
وقرأ ابن أبي ليلى «يا ويلتنا» بتاء التأنيث، وعنه أيضا «يا ويلتي» بتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة، والمراد أن كل واحد منهم يقول يا ويلتي مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أي رقادنا على أنه مصدر ميمي أو محل رقادنا على أنه اسم مكان ويراد بالمفرد الجمع أي مراقدنا، وفيه تشبيه الموت بالرقاد من حيث عدم ظهور الفعل والاستراحة من الأفعال الاختيارية، ويجوز أن يكون المرقد على حقيقته والقوم لاختلاط عقولهم ظنوا كانوا نياما ولم يكن لهم إدراك لعذاب القبر لذلك فاستفهموا عن موقظهم، وقيل سموا ذلك مرقدا مع علمهم بما كانوا يقاسون فيه من العذاب لعظم ما شاهدوه فكأن ذلك مرقد بالنسبة إليه، فقد روي أنهم إذا عاينوا جهنم وما فيها من ألوان العذاب يرون ما كانوا فيه مثل النوم في جنبها فيقولون ذلك.
وأخرج القرباني وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب أنه قال: ينامون قبل البعث نومة، وأخرج هؤلاء ما عدا ابن جرير عن مجاهد قال: للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم قبل يوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور يقولون يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وروي عن ابن عباس أن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا الأهوال قالوا: ذلك.
وفي البحر أن هذا غير صحيح الإسناد واختار أن المرقد استعارة عن مضجع الموت.
وقرأ أمير المؤمنين عليّ وابن عباس والضحاك وأبو نهيك «من بعثنا» بمن الجارة والمصدر المجرور وهو متعلق بويل أو بمحذوف وقع حالا منه: ونحوه في الخبر: