للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يتزوجن في الدنيا فزوجهن الله تعالى في الجنة من شاء من عباده بل الأعم من ذلك كله ومن المؤمنات اللاتي تزوجن في الدنيا بأزواج ماتوا كفارا فأدخلوا النار مخلدين فيها وأدخلن الجنة كامرأة فرعون فقد جاء في الأخبار أنها تكون زوجة نبينا صلّى الله عليه وسلم وجوز أن يكون المراد بأزواجهم أشكالهم في الإحسان وأمثالهم في الإيمان كما قال سبحانه:

وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص: ٥٨] وقريب منه ما قيل المراد به أخلاؤهم كما في قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: ٢٢] وقيل يجوز أن يراد به ما يعم الأشكال والأخلاء ومن سمعت أولا، وأنت تعلم بعد إرادة ذلك وكذا إرادة الأشكال أو الإخلاء بالخصوص لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ بيان لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب وما يتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان ما لهم فيها من مجالس الأنس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة كذا قيل، ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا وقع جواب سؤال نشأ مما يدل عليه اللام السابق من اشتغالهم بالأنس واتكائهم على الأرائك عدم تعاطيهم أسباب المأكل والمشرب فكأنه قيل: إذا كان حالهم ما ذكر فكيف يصنعون في أمر مأكلهم؟ فأجيب بقوله سبحانه: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وهو مشير إلى أن لهم من المأكل ما لهم على أتم وجه، وأفيد أن فيه إشارة إلى أنه لا جوع هناك وليس الأكل لدفع ألم الجوع، وإنما مأكولهم فاكهة ولو كان لحما، والتنوين للتفخيم أي فاكهة جليلة الشأن، وفي قوله سبحانه: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ دون يأكلون فيها فاكهة إشارة إلى كون زمام الاختيار بأيديهم وكونهم مالكين قادرين فإن شاؤوا أكلوا وإن شاؤوا أمسكوا.

وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ أي ما يدعون به لأنفسهم أي لهم كل ما يطلبه أحد لنفسه لا إنهم يطلبون فإنه حاصل كما إذا سألك أحد فقلت: لك ذلك تعني فلم تطلب أو لهم ما يطلبون بالفعل على أن هناك طلبا وإجابة لأن الغبطة بالإجابة توجب اللذة بالطلب فإنه مرتبة سنية لا سيما والمطلوب منه والمجيب هو الله تعالى الملك الجليل جل جلاله وعم نواله، فيدعون من الدعاء بمعنى الطلب، وأصله يد تعيون على وزن يفتعلون سكنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وقيل بل ضمت العين لأجل واو الجمع ولم يلق حركة الياء عليها وإنما حذفت استثقالا ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار يدتعون فقلبت التاء دالا وأدغمت، وافتعل بمعنى فعل الثلاثي كثير ومنه اشتوى بمعنى شوي واجتمل بمعنى جمل أي أذاب الشحم.

قال لبيد: فاشتوى (١) ليلة ريح واجتمل. ولَهُمْ خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وهي موصولة والجملة بعدها صلة والعائد محذوف وهو إما ضمير مجرور أو ضمير منصوب على الحذف والإيصال، وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة وأن تكون مصدرية فالمصدر (٢) حينئذ مبتدأ وهو خلاف الظاهر، والجملة عطف على الجملة قبلها، وعدم الاكتفاء بعطف ما على فاكِهَةٌ لئلا يتوهم كونها عبارة عن توابع الفاكهة ومتمماتها.

وجوز أن يكون يَدَّعُونَ من الافتعال بمعنى التفاعل كارتموه بمعنى تراموه أي لهم ما يتداعون، والمعنى كل ما يصح أن يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم أو ما يطلبه بعضهم من بعض بالفعل لما في ذلك من التحاب، وأن يكون من الافتعال على ما سمعت أولا إلا إن الدعاء بمعنى التمني.

قال أبو عبيدة: العرب تقول ادع علي ما شئت بمعنى تمن علي، وتقول فلان في خير ما ادعى أي تمنى أي لهم ما


(١) وغلام أرسلته أمه بألوك فبذلنا ما سأل. أرسلته فأتاه رزقه فاشترى إلخ اه منه.
(٢) قيل إذا جعلت مصدرية فالمصدر بمعنى المفعول اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>