عليه، وهذا نحو ما قالوا من تسبيح جميع الأشياء بلسان القال والله تعالى على كل شيء قدير والعقل لا يحيل ذلك وليس هو بأبعد من خلق الله تعالى فيها العلم والارادة والقدرة حتى تنطق يوم القيامة فمن يؤمن بهذا فليؤمن بذلك، والتشبث بذيل الاستبعاد يجر إلى إنكار الحشر بالكلية والعياذ بالله تعالى أو تأويله بما أوله به الباطنية الذين قتل واحد منهم- قال حجة الإسلام الغزالي- أفضل من قتل مائة كافر، وعلى هذا تكون الآية من مؤيدات القول بالتسبيح القالي للجمادات ونحوها، وعلى الاحتمال الأول يؤيد القول بجواز شهادة الشاهد إذا حصل عنده العلم الذي يقطع به بأي وجه حصل وإن لم يشهد ذلك ولا حضره، وقد أفاد الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره المسمى بإيجاز البيان في ترجمة القرآن إن قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: ١٤٣] يفيد جواز ذلك، وذكر فيه أن الشاهد يأثم إن لم يشهد بعلمه، ولا يخفى عليك ما للفقهاء في المسألة من الكلام، وكأن الشهادة على الاحتمال الثاني بعد الاستشهاد بأن يقال للأركان ألم يفعل كذا فتقول بلى فعل.
ويمكن أن تكون بعد أن تؤمر الأركان بالشهادة بأن يقال لها اشهدي بما فعلوا فتشهد معددة أفعالهم، وهذا إما بأن تذكر جميع أفعالهم من المعاصي وغيرها غير مميزة المعصية عن غيرها، وكون ذلك شهادة عليهم باعتبار الواقع لتضمنها ضررهم بذكر ما هو معصية في نفس الأمر، وإما بأن تذكر المعاصي فقط، وهذا يحتاج إلى التزام القول بأن الأركان تميز في الدنيا ما كان معصية من الأفعال ما لم يكن كذلك ولا أظنك تقول به ولم أسمع أن أحدا يدعيه.
وذهب بعضهم إلى أن تكليم الأركان وشهادتها دلالتها على أفعالها وظهور آثار المعاصي عليها بأن يبدل الله تعالى هيئاتها بأخرى يفهم منها أهل الحشر ويستدلون بها على ما صدر منهم فجعلت الدلالة الخالية بمنزلة المقالية مجازا، وفيه أنه لا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة لا سيما وما يأتي في سورة السجدة من قوله تعالى قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
[فصلت: ٢١] ظاهر جدا في النطق القالي والأخبار أظهر وأظهر، نعم يهون على هذا القول أمر الاستبعاد ولا يكاد يترك لأجله الظواهر العلماء الأمجاد، وهذا والآية كالظاهرة في تكليف الكفار بالفروع إذ لو لم يكونوا مكلفين بها لا فائدة في شهادة الأعضاء بما كسبوا، وإتمام الحجة عليهم بها وتخصيص ما كسبوا بالكفر مما لا يكاد يلتفت إليه ولا أظن أن أحدا يقول به بل ربما يدعي تخصيصه بما سوى الكفر بناء على أنه من أفعال القلب دون الأعضاء التي تشهد لكن الذي يترجح في نظري العموم.
وشهادتها به إما بشهادتها بما يدل عليه من الأفعال البدنية والأقوال اللسانية أو بالعلم الضروري الذي يخلقه الله تعالى لها ذلك اليوم أو بالعلم الحاصل لها بخلق لله تعالى في الدنيا فتعلمه بواسطة الأفعال والأقوال الدالة عليه أو بطريق آخر يعلمه الله تعالى، وهي ظاهرة في أن الحشر يكون بأجزاء البدن الأصلية لا ببدن آخر ليس فيه الأجزاء الأصلية للبدن الذي كان في الدنيا إذ أركان ذلك البدن لم تكن الأعمال السيئة معمولة بها فلا يحسن الشهادة بها منها فليحفظ. وقرىء «يختم» مبنيا للمفعول «وتتكلم أيديهم» بتاءين، وقرىء «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد أرجلهم» بلام الأمر على أن الله تعالى يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة. وروى عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة أنه قرأ «ولتكلمنا أيديهم ولتشهد» بلام كي والنصب على معنى لتكليم الأيدي إيانا ولشهادة الأرجل نختم على أفواههم وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ بيان أنهم اليوم في قبضة القدرة ومستحقون للعذاب إلا أن عز وجل لم يشأ ذلك لحكمته جل وعلا الباهرة، والطمس إزالة الأثر بالمحو، والمعنى لو نشاء الطمس على أعينهم وإزالة ضوئها وصورتها بالكلية بحيث تعود ممسوحة لطمسنا عليها وأذهبنا أثرها.
وجوز أن يراد بالطمس إذهاب الضوء من غير إذهاب العضو وأثره أي ولو نشاء لأعميناهم، وإيثار صيغة