وَذَلَّلْناها لَهُمْ أي وصيرناها سهلة غير مستعصية عليهم في شيء مما يريدون بها حتى الذبح حسبما ينطق به قوله تعالى فَمِنْها رَكُوبُهُمْ فإن الفاء فيه لتفريع أحكام التذليل عليه وتفصيلها أي فبعض منها مركوبهم فركوب فعول بمعنى مفعول كحصور وحلوب وقزوع وهو مما لا ينقاس. وقرأ أبي وعائشة «ركوبتهم» بالتاء وهي فعولة بمعنى مفعولة كحلوبة، وقيل جمع ركوب، وتعقب بأنه لم يسمع فعولة بفتح الفاء في الجموع ولا في أسمائها. وقرأ الحسن والأعمش وأبو البرهسم «ركوبهم» بضم الراء وبغير تاء وهو مصدر كالقعود والدخول فأما أن يؤول بالمفعول أو يقدر مضاف في الكلام إما في جانب المسند إليه أي ذو ركوبهم أو في جانب المسند أي فمن منافعها ركوبهم وَمِنْها يَأْكُلُونَ أي وبعض منها يأكلون لحمه، والتبعيض هنا باعتبار الأجزاء وفيما قيل باعتبار الجزئيات والجملة معطوفة على ما قبلها، وغير الأسلوب لأن الأكل عام في الأنعام جميعها وكثير مستمر بخلاف الركوب كذا قيل، وقيل الفعل موضوع موضع المصدر وهو بمعنى المفعول للفاصلة.
وَلَهُمْ فِيها أي في الأنعام بكلا قسميها مَنافِعُ غير الركوب والأكل كالجلود والأصواف والأوبار وغيرها وكالحراثة بالثيران وَمَشارِبُ جمع مشرب مصدر بمعنى المفعول والمراد به اللبن، وخص مع دخوله في المنافع لشرفه واعتناء العرب به، وجمع باعتبار أصنافه ولا ريب في تعددها، وتعميم المشارب للزبد والسمن والجبن والأقط لا يصح إلا بالتغليب أو التجوز لأنها غير مشروبة ولا حاجة إليه مع دخولها في المنافع، وجوز أن تكون المشارب جمع مشرب موضع الشرب.
قال الإمام: وهو الآنية فإن من الجلود يتخذ أواني الشرب من القرب ونحوها، وقال الخفاجي: إذا كان موضعا فالمشارب هي نفسها لقوله سبحانه: فِيها فإنها مقرة، ولعله أظهر من قول الإمام أَفَلا يَشْكُرُونَ أي يشاهدون هذه النعم فلا يشكرون المنعم بها ويخصونه سبحانه بالعبادة وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أي متجاوزين الله تعالى الذي رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم الظاهرة وعلموا أنه سبحانه المتفرد بها آلِهَةً من الأصنام وأشركوها به عز وجل في العبادة لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ رجاء أن ينصروا أو لأجل أن ينصروا من جهتهم فيما نزل بهم وأصابهم من الشدائد أو يشفعوا لهم في الآخرة، وقوله تعالى:
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ إلخ استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم وخيبة رجائهم وانعكاس تدبيرهم أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم، وقول ابن عطية، يحتمل أن يكون ضمير يَسْتَطِيعُونَ للمشركين وضمير نَصْرَهُمْ للأصنام ليس بشيء أصلا وَهُمْ أي أولئك المتخذون المشركون لَهُمْ أي لآلهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ أي معدون لحفظهم والذب عنهم في الدنيا.
أخرجه ابن أبي حاتم وابن المنذر عن الحسن وقتادة، وقيل: المعنى أن المشركين جند لآلهتهم في الدنيا محضرون للنار في الآخرة، وجاء بذلك في رواية أخرجها ابن أبي حاتم عن الحسن، واختار بعض الأجلة أن معنى والمشركون لآلهتهم جند محضرون يوم القيامة أثرهم في النار وجعلهم جندا من باب التهكم والاستهزاء. وكذلك لام لهم الدالة على النفع، وقيل هُمْ للآلهة وضمير لَهُمْ للمشركين أي وإن الآلهة معدون محضرون لعذاب أولئك المشركين يوم القيامة لأنهم يجعلون وقود النار أو محضرون عند حساب الكفرة إظهارا لعجزهم وإقناطا للمشركين عن