يتذكره على ما قيل وفيه دغدغة أو ترك تذكره لكفره وعناده أو هو كالناسي لعدم جريه على مقتضى التذكر وقوله سبحانه قالَ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل كأنه قيل: أي مثل ضرب أو ماذا قال؟
فقيل: قال مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ منكرا ذلك ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد وهو كونها رميما أي بالية أشد البلى، والظاهر أن «رميم» صفة لا اسم جامد فإن كان من رم اللام بمعنى بلى فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فالحق بالأسماء الجامدة أو حمل على فعيل بمعنى مفعول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقال محيي السنة: لم يقل رميمة لأنه معدول من فاعلة فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله «بغيا» في قوله تعالى «ما كانت أمك بغيا» أسقط الهاء منها لأنها كانت مصروفة عن باغية، وقال الأزهري: إن عظاما لكونه بوزن المفرد ككتاب وقراب عومل معاملته فقيل رميم دون رميمة وذكر له شواهد وهو غريب، وإن كان من رم المتعدي بمعنى ابلى يقال رمه أي أبلاه وأصل معناه الأكل كما ذكره الأزهري من رمث الإبل الحشيش فكان ما بلى أكلته الأرض فهو فعيل بمعنى مفعول، وتذكيره على هذا ظاهر للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وفي المطلع الرميم اسم غير صفة كالرمة والرفات لا فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ولأجل أنه اسم لا صفة لا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث؟ ولا يخفى أن له فعلا وهو رم كما ذكره أهل اللغة وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامدا غير ظاهر قُلْ تبكيتا له بتذكير ما نسيه من فطرته الدالة على حقيقة الحال وإرشاده إلى طريقة الاستشهاد بها يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أي أوجدها ورباها أَوَّلَ مَرَّةٍ أي في أول مرة إذ لم يسبق لها إيجاد ولا شك أن الإحياء بعد أهون من الإنشاء قبل فمن قدر على الإنشاء كان على الأحياء أقدر وأقدر، ولا احتمال لعروض العجز فإن قدرته عز وجل ذاتية أزلية لا تقبل الزوال ولا التغير بوجه من الوجوه.
وفي الحواشي الخفاجية كان الفارابي يقول وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله تعالى «قل يحييها» إلخ وهو الله تعالى أنشأ العظام وأحياها أول مرة وكل من انشأ شيئا أولا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيا فيلزم أن الله عز وجل قادر على انشائها وإحيائها بقواها ثانيا، والآية ظاهرة فيما ذهب إليه الإمام الشافعي قيل ومالك وأحمد من أن العظم تحله الحياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء وبنوا على ذلك الحكم بنجاسة عظم الميتة ومسألة حلول الحياة في العظم وعدمه مما اختلف فيه الفقهاء والحكماء، واستدل من قال منهما بعدم حلولها فيه بأن الحياة تستلزم الحس والعظم لا إحساس له فإنه لا يتألم بقطعة كما يشاهد في القرن، وما قد يحصل في قطع العظم من التألم إنما هو لما يجاوره، وقال ابن زهر في كتاب التيسير: اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها احساس أم لا والذي ظهر لي أن لها حسا بطيئا وليت شعري ما يمنعها من التعفن والتفتت في الحياة غير حلول الروح الحيواني فيها انتهى.
وبعض من ذهب من الفقهاء إلى أن العظام لا حياة فيها بنى عليه الحكم بطهارتها من الميتة إذ الموت زوال الحياة فحيث لم تحلها الحياة لم يحلها الموت فلم تكن نجسة. وأورد عليهم هذه الآية فقيل المراد بالعظام فيها صاحبها بتقدير أو تجوز أو المراد بإحيائها ردها لما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس، ورجح هذا على إرادة صاحبها بأن سبب النزول لا بد من دخوله وعلى تلك الإرادة لا يدخل، ويدخل على تأويل إحيائها بإعادتها لما كانت عليه. ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر، والظاهر مع الشافعية ومن الفقهاء القائلين بعدم نجاسة عظام الميتة من رأى قوة الاستدلال بالآية على أن العظام تحلها الحياة فعلل الطهارة بغير ما سمعت فقال: إن نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسا، ومنع الشافعية كون النجاسة للرطوبة وتمام الكلام في الفروع وَهُوَ عز وجل بِكُلِّ خَلْقٍ أي مخلوق عَلِيمٌ مبالغ في العلم