للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المفسرين عود ضمير مِثْلَهُمْ للسماوات والأرض لشمولهما لمن فيهما من العقلاء فلذا كان ضمير العقلاء تغليبا والمقصود بالكلام دفع توهم قدم العالم المقتضي لعدم إمكان إعادته وهو تكلف ومخالف للظاهر والمشركون لا يقولون بقدم العالم فيما يظهر. وتعقب أيضا بأن قدم العالم لو فرض مع قدم النوع الإنساني وعدم تناهي أفراده في جانب المبدأ لا يأبى الحشر الجسماني إذ هو بالنسبة إلى المكلفين وهم متناهون. وزعم أن ما ثبت قدمه استحال عدمه غير تام كما قرر في محله فلا تغفل، وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق والأعرج وسلام ويعقوب في رواية «يقدر» بفتح الياء وسكون القاف فعلا مضارعا.

بَلى جواب من جهته تعالى وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي من القدرة على الخلق وإيذان بتعيينه للجواب نطقوا به أو تلعثموا فيه مخافة الالتزام، وقوله تعالى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ عطف على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو سبحانه قادر على ذلك وهو جل وعلا المبالغ في الخلق والعلم كيفا وكما.

وقرأ الحسن والجحدري وزيد بن علي ومالك بن دينار «الخالق» بزنة الفاعل إِنَّما أَمْرُهُ أي شأنه تعالى شأنه في الإيجاد، وجوز فيه أن يراد الأمر القولي فيوافق قوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ [النحل: ٤٠] ويراد به القول النافذ.

إِذا أَرادَ شَيْئاً أي إيجاد شيء من الأشياء أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ أي أوجد فَيَكُونُ أي فهو يكون ويوجد، والظاهر أن هناك قولا لفظيا هو لفظ كن وإليه ذهب معظم السلف وشؤون الله تعالى وراء ما تصل إليه الأفهام فدع عنك الكلام والخصام، وقيل ليس هناك قول لفظي لئلا يلزم التسلسل، ويجوز أن يكون هناك قول نفسي وقوله للشيء تعلقه به، وفيه ما يأباه السلف غاية الإباء، وذهب غير واحد إلى أنه لا قول أصلا وإنما المراد تمثيل لتأثير قدرته تعالى في مراده بأمر الآمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف على شيء.

وقرأ ابن عامر والكسائي «فيكون» بالنصب عطفا على يَقُولَ وجوز كونه منصوبا في جواب الأمر، وأباه بعضهم لعدم كونه أمرا حقيقة، وفيه بحث فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ تنزيه له عز وجل مما وصفوه به تعالى وتعجيب عما قالوا في شأنه عز شأنه، والفاء جزائية أي إذا علم ذلك فسبحان أو سببية لأن ما قبل سبب لتنزيهه سبحانه، والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت فهو الملك التام، وفي تعليق سبحان بما في حيزه إيماء إلى أن كونه تعالى مالكا للملك كله قادرا على كل شيء مقتض للتسبيح، وفسر الملكوت أيضا بعالم الأمر والغيب فتخصيصه بالذكر قيل لاختصاص التصرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة.

وقرأ طلحة والأعمش «ملكة» على وزن شجرة أي بيده ضبط كل شيء، وقرىء «مملكة» على وزن مفعلة وقرىء «ملك» وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لا إلى غيره تعالى وهذا وعد للمقرين ووعيد للمنكرين فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين، وقيل هو وعيد فقط على أن الخطاب للمشركين لا غير توبيخا لهم ولذا عدل عن مقتضى الظاهر وهو وإليه يرجع الأمر كله ففيه دلالة على أنهم استحقوا غضبا عظيما. وقرأ زيد بن علي «ترجعون» مبنيا للفاعل.

هذا ما لخص من كلامهم في هذه الآيات الكريمة وفيها دلالة واضحة على المعاد الجسماني وإيماء إلى دفع بعض الشبه عنه، وهذه المسألة من مهمات مسائل الدين وحيث إن هذه السورة الكريمة قد تضمنت من أمره ماله كانت عند أجلة العلماء الصدور قلب القرآن لا بأس بأن يذكر في إتمام الكلام فيها ما للعلماء في تحقيق أمر ذلك فأقول طالبا من الله عز وجل التوفيق إلى القول المقبول: اعلم أولا أن المسلمين اختلفوا في أن الإنسان ما هو فقيل هو هذا الهيكل المحسوس مع أجزاء سارية فيه سريان ماء الورد والنار في الفحم وهي جسم لطيف نوراني مخالف بالحقيقة والماهية

<<  <  ج: ص:  >  >>