موضع الكبد، وهو مخالف لما حكي عن بعض من أن من أتاه الشيطان من جهة اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق ومن أتاه من جهة الشمال أتاه من قبل الشهوات ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل التكذيب بالقيامة والثواب والعقاب ومن أتاه من خلفه خوفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده فلم يصل رحما ولم يؤد زكاة قالُوا استئناف على طرز السابق أي قال الرؤساء أو قال القرناء في جوابهم بطريق الاضراب عما قالوه لهم بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وهو إنكار لإضلالهم إياهم أي أنتم أضللتم أنفسكم بالكفر ولم تكونوا مؤمنين في حد ذاتكم لا أنّا نحن أضللناكم، وقولهم: وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أي من قهر وتسلط نسلبكم به اختياركم بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ مجاوزين الحد في العصيان مختارين له مصرين عليه جواب آخر تسليمي على فرض اضلالهم بأنهم لم يجبروهم عليه وإنما دعوهم له فأجابوا باختيارهم لموافقة ما دعوا له هواهم، وقيل: الكل جواب واحد محصله إنكم اتصفتم بالكفر من غير جبر عليه، وقولهم: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ تفريع على صريح ما تقدم من عدم إيمان أولئك المخاصمين لهم وكونهم قوما طاغين في حد ذاتهم وعلى ما اقتضاه وأشعر به خصامهم من كفر هؤلاء المجيبين لأولئك الطاغين وغوايتهم في أنفسهم، وضمائر الجمع للفريقين فكأنهم قالوا: ولأجل أنا جميعا في حد ذاتنا لم نكن مؤمنين وكنا قوما طاغين لزمنا قول ربنا وخالقنا العالم بما نحن عليه وبما يقتضيه استعدادنا وثبت علينا وعيده سبحانه بأنا ذائقون لا محالة لعذابه عز وجل، ومرادهم أن منشأ الخصام في الحقيقة الذي هو العذاب أمر مقضي لا محيص عنه وأنه قد ترتب على كل منا بسبب أمر هو عليه في نفسه وقد اقتضاه استعداده وفعله باختياره فلا يلومن بعضنا بعضا ولكن ليلم كل منا نفسه، ونظموا أنفسهم معهم في ذلك للمبالغة في سد باب اللوم والخصام من أولئك القوم، والفاء في قولهم: فَأَغْوَيْناكُمْ أي فدعونا كم إلى الغي لتفريع الدعاء المذكور على حقية الوعيد عليهم لا لمجرد التعقيب كما قيل، وعلية ذلك للدعاء باعتبار أن وجوده الخارجي متعلقا بهم كان متفرعا عن ذلك في نفس الأمر لا باعتبار أن إصداره وإيقاعه منهم على المخاطبين كان بملاحظة ذلك كما تلاحظ العلل الغائية في الأفعال الاختيارية لأن الظاهر أو رؤساء الكفر لم يكونوا عالمين في الدنيا حقية الوعيد عليهم، نعم لا يبعد أن يكون القرناء من الشياطين عالمين بذلك من أبيهم، وكذا تسمية دعائهم إياهم إلى ما دعوهم إليه إغواء أي دعاء إلى الغي بناء على أن الكلام المذكور من الرؤساء باعتبار نفس الأمر التي ظهرت لهم في يوم القيامة، ومثل هذا يقال في قولهم: إِنَّا كُنَّا غاوِينَ بناء على أنهم إنما علموا ذلك يوم التساؤل والخصام، والجملة مستأنفة لتعليل ما قبلها، وكأن ما أشعر به التفريع باعتبار تعلق الإغواء بالمخاطبين وهذا باعتبار صدور الإغواء نفسه منهم، وهو تصريح بما يستفاد من التفريع السابق.
ويجوز أن يكون إشارة إلى وجه ترتب إغوائهم إياهم على حقية الوعيد عليهم وهو حب أن يتصف أولئك المخاطبون بنحو ما اتصفوا به من الغي ويكونوا مثلهم فيه. وملخص كلامهم أنه ليس منافي حقكم على الحقيقة سوى حب أن تكونوا مثلنا وهو غير ضار لكم وإنما الضار سوء اختياركم وقبح استعدادكم فذلك الذي ترتب عليه حقية الوعيد عليكم وثبوت هذا العذاب لكم، وجوز أن يقال: إنهم نفوا عنهم الإيمان والاعتقاد الحق وأثبتوا لهم الطغيان ومجاوزة الحد في العصيان حيث لم يلتفتوا إلى ما يجب الاعتقاد الصحيح مع كثرته وظهوره ورتبوا على ذلك مع ما يقتضيه البحث حقية الوعيد وفرعوا على مجموع الأمرين أنهم دعوهم إلى الغي مرادا به الكفر لاعتقاد أمر فاسد لا مجرد عدم الإيمان أي عدم التصديق بما يجب التصديق به بدون اعتقاد أمر آخر يكفر باعتقاده، وأشاروا إلى وجه ترتب ذلك على ما ذكر وهو محبة أن يكونوا مثلهم فكأنهم قالوا: كنتم تاركين الاعتقاد الحق غير ملتفتين إليه مع ظهور أدلته