وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ سبق ما يعلم منه بيانه عند تفسير نظيره في آخر قصة نوح، ولعل ذكر في العالمين هناك وعدم ذكره هنا لما أن لنوح عليه السلام من الشهرة لكونه كآدم ثان للبشر ونجاة من نجا من أهل الطوفان ببركته ما ليس لإبراهيم عليه السلام.
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ذلك إشارة إلى إبقاء ذكره الجميل فيما بين الأمم لا إلى ما يشير إليه فيما سبق فلا تكرار وطرح هنا إِنَّا قيل مبالغة في دفع توهم اتحاده مع ما سبق كيف وقد سبق الأول تعليلا لجزاء إبراهيم وابنه عليهما السلام بما أشير إليه قبل وسيق هذا تعليلا لجزاء إبراهيم وحده بما تضمنه قوله تعالى وَتَرَكْنا عَلَيْهِ إلخ وما ألطف الحذف هنا اقتصارا حيث كان فيما قبله ما يشبه ذلك من عدم ذكر الابن والاقتصار على إبراهيم.
وقيل لعل ذلك اكتفاء بذكر إِنَّا مرة في هذه القصة، وقال بعض الأجلة: إنه للإشارة إلى أن قصة إبراهيم عليه السلام لم تتم فإن ما بعد من قوله تعالى وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ إلخ من تكملة ما يتعلق به عليه السلام بخلاف سائر القصص التي جعل إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ مقطعا لها فإن ما بعد ليس مما يتعلق بما قبل ومع هذا لم تخل القصة من مثل تلك الجملة بجميع كلماتها وسلك فيها هذا المسلك اعتناء بها فتأمل، وقوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الكلام فيه كما تقدم وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا حال من إسحاق، وكذا قوله تعالى مِنَ الصَّالِحِينَ وفي ذلك تعظيم شأن الصلاح، وفي تأخيره إيماء إلى أنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل والمقصود منهما الإتيان بالأفعال الحسنة السديدة وهو في الاستعمال يختص بها.
وجوز كون مِنَ الصَّالِحِينَ حالا وكون نَبِيًّا حالا من الضمير المستتر فيه، وقدم في اللفظ للاهتمام ولئلا تختل رؤوس الآي وفيه من البعد ما فيه، على أن في جواز تقديم الحال مطلقا أو اطراده في مثل هذا التركيب كلاما لا يخفى على من راجع الألفية وشروحها وفيه ما فيه بعد، وجوز أيضا كونه في موضع الصفة لنبيا والكلام على الأول وهو الذي عليه الجمهور أمدح كما لا يخفى، والمراد كونه نبيا وكونه من الصالحين في قضاء الله تعالى وتقديره أي مقتضيا كون نبيا مقتضيا كونه من الصالحين وإن شئت فقل مقدرا ولا يكونان بذلك من الحال المقدرة التي تذكر في مقابلة المقارنة بل هما بهذا الاعتبار حالان مقارنان للعامل وهو فعل البشارة أو شيء آخر محذوف أي بشرناه بوجود إسحاق نبيا إلخ، وأوجب غير واحد تقدير ذلك معللا بأن البشارة لا تتعلق بالأعيان بل بالمعاني. وتعقب بأنه إن أريد أنها لا تستعمل إلا متعلقة بالأعيان فالواقع خلافه كبشر أحدهم بالأنثى، فإن قيل إنما يصح بتقدير ولادة ونحوه من المعاني فهو محل النزاع فلا وجه له، والذي يميل إليه القلب أن المعنى على إرادة ذلك، وربما يدعي أن معنى البشارة تستدعي تقدير معنى من المعاني، وقيل هما حالان مقدران كقوله تعالى فَادْخُلُوها خالِدِينَ [الزمر: ٧٣] أي على إبراهيم عليه السلام وَعَلى إِسْحاقَ أي أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا بأن كثرنا نسلهما وجعلنا منهم أنبياء ورسلا.
وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر والمعاصي ويدخل فيها ظلم الغير مُبِينٌ ظاهر ظلمه، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في الأعقاب لا يعود على الأصول بنقيصة وعيب، هذا وفي الآيات بعد أبحاث الأول أنهم اختلفوا في الذبيح فقال- على ما ذكره الجلال السيوطي في رسالته القول الفصيح في تعيين الذبيح- علي وابن عمر، وأبو هريرة وأبو الطفيل وسعيد جبير ومجاهد والشعبي ويوسف بن مهران والحسن البصري، ومحمد ابن كعب القرظي وسعيد بن المسيب وأبو جعفر الباقر وأبو صالح والربيع بن أنس، والكلبي. وأبو عمرو بن العلاء.
وأحمد بن حنبل وغيرهم أنه إسماعيل عليه السلام لا إسحاق عليه السلام وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ورجحه