للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومدعي في مشوب ومدعو بناء على شيب ودعي وذلك أنه لما قلبت الواو ياء في المجهول جعل كالأصل فحمل الوصف عليه.

فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ أي من الذاكرين الله تعالى كثيرا بالتسبيح كما قيل، وفي كلام قتادة ما يشعر باعتبار الكثرة، واستفادتها على ما قال الخفاجي من جعله من المسبحين دون أن يقال مسبحا فإنه يشعر بأنه عريق فيهم منسوب إليهم معدود في عدادهم ومثله يستلزم الكثرة، وقيل: من التفعيل. ورد بأن معنى سبح لم يعتبر فيه ذلك إذ هو قال سبحان الله، وقد يقال: هي من إرادة الثبوت من الْمُسَبِّحِينَ فإنه يشعر بأن التسبيح ديدن لهم، والمراد بالتسبيح هاهنا حقيقته وهو القول المذكور أو ما في معناه وروي ذلك عن ابن جبير.

وهذا الكون عند بعض قبل التقام الحوت أيام الرخاء، واستظهر أبو حيان أنه في بطن الحوت وأن التسبيح ما ذكره الله تعالى في قوله سبحانه: فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:

٨٧] وحمله بعضهم على الذكر مطلقا، وبعض آخر على العبادة كذلك، وجماعة منهم ابن عباس على الصلاة بل روي عنه أنه قال: كل ما في القرآن من التسبيح فهو بمعنى الصلاة، وأنت تعلم أن كان اللفظ فيما ذكر حقيقة شرعية ولم يكن للتسبيح حقيقة أخرى شرعية أيضا لم يحتج إلى قرينة، وإن كان مجازا أو كان للتسبيح حقيقة شرعية أخرى احتيج إلى قرينة فإن وجدت فذاك وإلا فالأمر غير خفي عليك، وكما اختلف في زمان التسبيح بالمعنى السابق اختلف في زمانه بالمعاني الأخر، أخرج أحمد في الزهد. وغيره عن ابن جبير في قوله تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ قال: من المصلين قبل أن يدخل بطن الحوت، وأخرج أحمد وغيره أيضا عن الحسن في الآية قال: ما كان إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت فذكر ذلك لقتادة فقال: لا إنما كان يعمل في الرخاء، وروي عن الحسن غير ما ذكر،

فقد أخرج عنه ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان والحاكم أنه قال في الآية: كان يكثر الصلاة في الرخاء فلما حصل في بطن الحوت ظن أنه الموت فحرك رجليه فإذا هي تتحرك فسجد وقال: يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع لم يسجد فيه أحد.

وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك بن قيس قال: اذكروا الله تعالى في الرخاء يذكر كم في الشدة فإن يونس عليه السلام كان عبدا صالحا ذاكر الله تعالى فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ

[يونس: ٩٠] إلخ وإن فرعون كان عبدا طاغيا ناسيا لذكر الله تعالى فلما أدركه الغرق قال آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: ٩٠] . فقيل له: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس: ٩١] والأولى حمل زمان كونه من المسبحين على ما يعم زمان الرخاء وزمان كونه في بطن الحوت فإن لاتصافه بذلك في كلا الزمانين مدخلا في خروجه من بطن الحوت المفهوم من قوله تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ كما يشعر به ما

في حديث أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس مرفوعا من أنه عليه السلام لما التقمه الحوت وهوى به حتى انتهى إلى ما انتهى من الأرض سمع تسبيح الأرض فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فأقبلت الدعوة نحو العرش فقالت الملائكة: يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا من بلاد غربة قال سبحانه: وما تدرون ما ذاكم؟ قالوا: لا يا ربنا قال: ذاك عبدي يونس قالوا: الذي كنا لا نزال نرفع له عملا متقبلا ودعوة مجابة؟ قال: نعم قالوا: يا ربنا ألا ترحم ما كان يصنع في الرخاء وتنجيه عند البلاء؟ قال: بلى فأمر عز وجل الحوت فلفظه.

واستظهر أبو حيان أن المراد بقوله سبحانه لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلخ لبقي في بطنه حيا إلى يوم البعث وبه أقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>