للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والموعظة للناس على ما روي عن قتادة والضحاك، أو ذكر ما يحتاج إليه في أمر الدين من الشرائع والأحكام وغيرها من أقاصيص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأخبار الأمم الدارجة والوعد والوعيد على ما قيل، وجواب القسم قيل مذكور فقال الكوفيون والزجاج هو قوله تعالى إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ص: ٦٤] وتعقبه الفراء بقوله: لا نجده مستقيما لتأخر ذلك جدا عن القسم، وقال الأخفش: هو إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ [ص: ١٤] وقال قوم: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ [الأنعام: ٦، ص: ٣] وحذفت اللام أي لكم لما طال الكلام كما حذفت من قَدْ أَفْلَحَ [الشمس: ٩] بعد قوله تعالى: وَالشَّمْسِ [الشمس: ١٠] حكاه الفراء وثعلب، وتعقبه الطبرسي بأنه غلط لأن اللام لا تدخل على المفعول وكَمْ مفعول.

وقال أبو حيان: إن هذه الأقوال يجب اطراحها، ونقل السمرقندي عن بعضهم أنه بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا إلخ فإن بَلِ لنفي ما قبله وإثبات ما بعده فمعناه ليس الذين كفروا إلا في عزة وشقاق.

وجوز أن يريد هذا القائل أن بَلِ زائدة في الجواب أو ربط بها الجواب لتجريدها لمعنى الإثبات، وقيل هو صاد إذ معناه صدق الله تعالى أو صدق محمد صلّى الله عليه وسلم ونسب ذلك إلى الفراء وثعلب، وهو مبني على جواز تقدم جواب القسم واعتقاد أن ص تدل على ما ذكر، ومع هذا في كون ص نفسه هو الجواب خفاء، وقيل هو جملة هذه صاد على معنى السورة التي أعجزت العرب فكأنه: قيل هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر وهذا كما تقول:

هذا حاتم والله تريد هذا هو المشهور بالسخاء والله، وهو مبني على جواز التقدم أيضا، وقيل هو محذوف فقدره الحوفي لقد جاءكم الحق ونحوه، وابن عطية ما الأمر كما تزعمون ونحوه، وقدره بعض المحققين ما كفر من كفر لخلل وجده ودل عليه بقوله تعالى بَلِ الَّذِينَ إلخ، وآخر إنه لمعجز ودل عليه ما في ص من الدلالة على التحدي بناء على أنه اسم حرف من حروف المعجم ذكر على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز أو ما في أقسم بص أو هذه ص من الدلالة على ذلك بناء على أنه اسم للسورة أو أنه لواجب العمل به دل عليه ص بناء على كونه أمرا من المصاداة، وقدره بعضهم غير ذلك، وفي البحر ينبغي أن يقدر هنا ما أثبت جوابا للقسم بالقرآن في قوله تعالى:

يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس: ١، ٣] .

ويقوي هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله تعالى وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وهناك في قوله سبحانه:

لِتُنْذِرَ قَوْماً [يس: ٦] فالرسالة تتضمن النذارة والبشارة، وجعل بل في قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ للانتقال من هذا القسم والمقسم عليه إلى ذكر حال تعزز الكفار ومشاقتهم في قبولهم رسالته صلّى الله عليه وسلم وامتثال ما جاء به وهي كذلك على كثير من الوجوه السابقة، وقد تجعل على بعضها للإضراب عن الجواب بأن يقال مثلا: إنه لمعجز بل الذين كفروا في استكبار من الإذعان لإعجازه أو هذه السورة التي أعجزت العرب بل الذين كفروا لا يذعنون، وجعلها بعضهم للإضراب عما يفهم مما ذكر ونحوه من أن من كفر لم يكفر لخلل فيه فكأنه قيل: من كفر لم يكفر لخلل فيه بل كفر تكبرا عن اتباع الحق وعنادا، وهو أظهر من جعل ذلك إضرابا عن صريحه، وإن قدر نحو هذا المفهوم جوابا فالإضراب عنه قطعا، وفي الكشف عد هذا الإضراب من قبيل الإضراب المعنوي على نحو زيد عفيف عالم بل قومه استخفوا به على الإضراب عما يلزم الأوصاف من التعظيم كما نقل عن بعضهم عدول عن الظاهر، ويمكن أن يكون الجواب الذي عنه الإضراب ما أنت بمقصر في تذكير الذين كفروا وإظهار الحق لهم، ويشعر به الآيات بعد وسبب النزول الآتي ذكره إن شاء الله تعالى فكأنه قيل ص والقرآن ذي الذكر ما أنت بمقصر في تذكير الذين كفروا وإظهار الحق لهم بل الذين كفروا مقصرون في اتباعك والاعتراف بالحق، ووجه دلالة ما في النظم

<<  <  ج: ص:  >  >>