للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الامتثال به، والإشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبي صلّى الله عليه وسلم وتصلبه في أمر التوحيد ونفي الوهية آلهتهم أي إن هذا لشيء عظيم يراد من جهته صلّى الله عليه وسلم امضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لا قول يقال من طرف اللسان أوامر يرجى فيه المسامحة بشفاعة إنسان فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم واصبروا على عبادة آلهتكم، وقيل: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر، وقيل: إن هذا الذي يدعيه من أمر التوحيد أو يقصده من الرئاسة والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد ولكن لا يكون لكل ما يتمناه أو يريده فاصبروا، وقيل: إن هذا أي دينكم يطلب لينتزع منكم ويطرح أو يراد ابطاله، وقيل: الإشارة إلى الصبر المفهوم من اصْبِرُوا أي إن الصبر لشيء مطلوب لأنه محمود العاقبة.

وقال القفال: هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف، والمعنى أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير الدين وإنما غرضه أن يستولي علينا فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد فتأمل.

ما سَمِعْنا بِهذا الذي يقوله فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ قال ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب ومقاتل أرادوا ملة النصارى، والتوصيف بالآخرة بحسب الاعتقاد لأنهم الذين لا يؤمنون بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلم ومرادهم من قولهم ما سمعنا إلخ إنا سمعنا خلافه وهو عدم التوحيد فإن النصارى كانوا يثلثون ويزعمون أنه الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام وحاشاه، وعن مجاهد أيضا وقتادة أرادوا ملة العرب ونحلتها التي أدركوا عليها آباءهم، وجوز أن يكون في الملة الآخرة حالا من اسم الإشارة لا متعلقا بسمعنا أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه من التوحيد كائنا في الملة التي تكون آخر الزمان أرادوا أنهم لم يسمعوا من أهل الكتاب والكهان الذين كانوا يحدثونهم قبل بعثة النبي صلّى الله عليه وسلم بظهور نبي أن في دينه التوحيد ولقد كذبوا في ذلك فإن حديث إن النبي المبعوث آخر الزمان يكسر الأصنام ويدعو إلى توحيد الملك العلام كان أشهر الأمور قبل الظهور، وإن أرادوا على هذا المعنى إنا سمعنا خلاف ذلك فكذبهم أقبح إِنْ هذا أي ما هذا.

إِلَّا اخْتِلاقٌ أي افتعال وافتراء من غير سبق مثل له أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ أي القرآن مِنْ بَيْنِنا ونحن رؤساء الناس وأشرافهم كقولهم لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣٢] ومرادهم إنكار كونه ذكرا منزلا من عند الله تعالى كقولهم لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [الأحقاف: ١١] وأمثال هذه المقالات الباطلة دليل على أن مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد وقصر النظر على الحطام الدنيوي بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي من القرآن الذي أنزلته على رسولي المشحون بالتوحيد لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الأدلة المؤدية إلى العلم بحقيته وليس في عقيدتهم ما يقطعون به فلذا تراهم ينسبونه إلى السحر تارة وإلى الاختلاق أخرى قيل للاضراب عن جميع ما قبله، وبل في قوله تعالى بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ إضراب عن مجموع الكلامين السابقين حديث الحسد في قوله تعالى أَأُنْزِلَ إلخ وحديث الشك في قوله تعالى بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ أي لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الحسد والشك حينئذ يعني أنهم لا يصدقون إلا أن يمسهم العذاب فيضطروا إلى التصديق أو إضراب عن الإضراب قبله أي لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم واضطروا إلى التصديق بذكرى، والأول على ما في الكشف هو الوجه السديد وينطبق عليه ما بعد من الآيات، وقيل المعنى لم يذوقوا عذابي الموعود في القرآن ولذلك شكوا فيه وهو كما ترى، وفي التعبير بلما دلالة على أن ذوقهم العذاب على شرف الوقوع، وقوله تعالى:

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ في مقابلة قوله سبحانه أَأُنْزِلَ إلخ، ونظيره في رد نظيره

<<  <  ج: ص:  >  >>