للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل إنه شبه هنا فرعون في ثبات ملكه ورسوخ سلطنته ببيت ثابت أقيم عماده وثبتت أوتاده تشبيها مضمرا في النفس على طريق الاستعارة المكنية ووصف بذي الأوتاد على سبيل التخييل، فالمعنى كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون الثابت ملكه وسلطنته وقيل: شبه الملك الثابت من حيث الثبات والرسوخ بذي الأوتاد وهو البيت المطنب بأوتاده واستعير ذو الأوتاد له على سبيل الاستعارة التصريحية قيل وهو أظهر مما مر نهايته أنه وصف بذلك فرعون مبالغة لجعله عين ملكه، والمعنى على وصفه بثبات الملك ورسوخ السلطنة واستقامة الأمر.

وقال ابن مسعود وابن عباس في رواية عطية: الأوتاد الجنود يقوون ملكه كما يقوي الوتد الشيء أي وفرعون ذو الجنود فالاستعارة عليه تصريحية في الأوتاد، وقيل: هو مجاز مرسل للزوم الأوتاد للجند، وقيل المباني العظيمة الثابتة وفيه مجاز أيضا، وقال ابن عباس في رواية أخرى وقتادة وعطاء: كانت له عليه اللعنة أوتاد وخشب يلعب له بها وعليها، وقيل: كان يشبح المعذب بين أربع سوار كل طرف من أطرافه إلى سارية ويضرب في كل وتدا من حديد ويتركه حتى يموت، وروي معناه عن الحسن ومجاهد وقيل: كان يمده بين أربعة أوتاد في الأرض ويرسل عليه العقارب والحيات، وقيل: يشده بأربعة أوتاد ثم يرفع صخرة فتلقى عليه فتشدخه.

وعلى هذه الأقوال الأربعة فالأوتاد ثابتة على حقيقتها وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أصحاب الغيضة وهم الذين أرسل إليهم شعيب عليه السلام نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها، وقيل الأيكة اسم بلد لهم أُولئِكَ المكذبون الْأَحْزابُ أي الكفار المتحزبون على الرسل عليهم السلام المهزومون وهو مبتدأ وخبر ويفهم من ذلك أن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم وأنهم الذين وجد منهم التكذيب لأن المبتدأ والخبر في مثله متعاكسان رأسا برأس لا لأن أُولئِكَ إشارة إلى الأحزاب أولا والأحزاب ثانيا هم المكذبون، وقوله تعالى: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ استئناف جيء به تقريرا لتكذيبهم على أبلغ وجه وتمهيدا لما يعقبه، فإن نافية ولا عمل لها لانتقاض النفي بالا، وكُلٌّ مبتدأ والاستثناء مفرغ من أعم العام وهو الخبر أي ما كل حزب من الأحزاب محكوما عليه بحكم إلا محكوما عليه بأنه كذب الرسل أو مخبرا عنه بخير إلا مخبرا عنه بأنه كذب الرسل لأن الرسل يصدق كل منهم الكل وكلهم متفقون على الحق فتكذيب كل واحد منهم تكذيب لهم جميعا، وجوز أن يكون من مقابلة الجمع بالجمع أي ما كلهم محكوما عليه بحكم أو مخبرا عنه بشيء إلا محكوما عليه أو إلا مخبرا عنه بأنه كذب رسوله، والحصر مبالغة كأن سائر أوصافهم بالنظر إلى ما أثبت لهم بمنزلة العدم فيدل على أنهم غالون في التكذيب، ويدل على غلوهم فيه أيضا إعادته متعلقا بالرسل وتنويع الجملتين إلى اسمية استثنائية وغيرها أعني قوله تعالى:

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ إلخ، وجعل كل فرقة مكذبة للجميع على الوجه الأول، ويسجل ذلك عليهم استحقاقهم أشد العقاب ولذا رتب عليه قوله تعالى: فَحَقَّ عِقابِ أي ثبت ووقع على كل منهم عقابي الذي كانت توجبه جناياتهم من أصناف العقوبات فأغرق قوم نوح وأهلك فرعون بالغرق وقوم هود بالريح وثمود بالصيحة وقوم لوط بالخسف وأصحاب الأيكة بعذاب الظلة. وجوز أن يكون أُولئِكَ الْأَحْزابُ بدلا من الطوائف المذكورة والجملة بعد مستأنفة لما سمعت وأن يكون مبتدأ والجملة بعده خبر بحذف العائد أي إن كلّا منهم أو كلهم إلا كذب الرسل، والمجموع استئناف مقرر لما قبله مع ما فيه من بيان كيفية تكذيبهم وكلاهما خلاف الظاهر، وأما ما قيل من أنه خبر والمبتدأ قوله تعالى: وَعادٌ إلخ أو قوله تعالى: وَقَوْمُ لُوطٍ إلخ فمما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله.

وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ شروع في بيان عقاب كفار مكة إثر بيان عقاب أضرابهم فإن الكلام السابق مما يوجب ترقب السامع بيانه، والنظر بمعنى الانتظار وعبر به مجازا بجعل محقق الوقوع

<<  <  ج: ص:  >  >>