للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى قرأت هذه الآية يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وفي رواية عنه أيضا ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية، ووجه فهم الحبر إياها من الآية أي كل تسبيح ورد في القرآن فهو عنده ما لم يرد به التعجب والتنزيه بمعنى الصلاة فحيث كانت صلاة لداود عليه السلام وقصت على طريق المدح علم منه مشروعيتها.

وفي الكشف وجهه أن الآية دلت على تخصيصه عليه السلام ذينك الوقتين بالتسبيح وقد علم من الرواية أنه كان يصلي مسبحا فيهما فحكى في القرآن ما كان عليه وإن لم يذكر كيفيته فيكون في الآية ذكر صلاة الضحى وهو المطلوب أو نقول إن تسبيح الجبال غير تسبيح داود عليه السلام لأن الأول مجاز فحمل تسبيح داود على المجاز أيضا لأن المجاز أنسب اه.

وتعقب بأنه إذا علم من الرواية فكيف يقال إنه أخذه من الآية والتجوز ينبغي تقليله ما أمكن، وهذا بناء على أن مَعَهُ متعلق بيسبحن حتى يكون هو عليه السلام مسبحا أي مصليا وإلا فتسبيح الجبال لا دلالة على الصلاة، ومع هذا ففيه حينئذ جمع بين معنيين مجازيين إلا أن يقال به، أو يجعل بمعنى يعظمن ويجعل تعظيم كل محمولا على ما يناسبه، وبعد اللتيا والتي لا يخلو عن كدر، وارتضى الخفاجي الأول وأراه لا يخلو عن كدر أيضا.

وقال الجلبي في ذلك: يجوز أن يقال: تخصيص هذين الوقتين بالذكر دل على اختصاصهما بمزيد شرف فيصلح ذلك الشرف سببا لتعيينهما للصلاة والعبادة فإن لفضيلة الأزمنة والأمكنة أثرا في فضيلة ما يقع فيهما من العبادات، وهذا عندي أصفى مما تقدم، ويشعر به ما

أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عباس قال: كنت أمر بهذه الآية يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ فما أدري ما هي حتى حدثتني أم هانىء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم فتح مكة صلاة الضحى ثمان ركعات فقال ابن عباس: قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة لقوله تعالى: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ

هذا ولهم في صلاة الضحى كلام طويل والحق سنيتها وقد ورد فيها كما قال الشيخ ولي الدين ابن العراقي: أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة حتى قال محمد بن جرير الطبري أنها بلغت مبلغ التواتر.

ومن ذلك حديث أم هانىء الذي في الصحيحين وزعم أن تلك الصلاة كانت صلاة شكر لذلك الفتح العظيم صادفت ذلك الوقت لا أنها عبادة مخصوصة فيه دون سبب أوانها كانت قضاء عما شغل صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من حزبه فيها خلاف ظاهر الخبر السابق عنها.

وكذا ما

رواه أبو داود من طريق كريب عنها أنها قالت صلى عليه الصلاة والسلام سبحة الضحى

،

ومسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرة عنها أيضا ففيه ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى

وابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاة الضحى

، واحتج القائلون بالنفي بحديث عائشة إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها، رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأبو مالك، وحمله القائلون بالإثبات على نفي رؤيتها ذلك لما أنه

روي عنها مسلم وأحمد وابن ماجة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله تعالى

، وقد شهد أيضا بأنه عليه الصلاة والسلام كان يصليها على ما قال الحاكم أبو ذر الغفاري وأبو سعيد وزيد بن أرقم وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وأبو الدرداء وعبد الله بن أبي أوفى وعتبان بن مالك وعتبة بن عبد السلمي ونعيم بن همام الغطفاني وأبو أمامة الباهلي وأم هانىء وأم سلمة، ومن القواعد المعروفة أن المثبت مقدم على النافي مع أن رواية الإثبات أكثر بكثير من رواية النفي وتأويلها أهون من تأويل تلك، وذكر الشافعية أنها أفضل التطوع بعد الرواتب لكن النووي في شرح المهذب قدم عليها صلاة التراويح فجعلها

<<  <  ج: ص:  >  >>