للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذنب ولكنني كنت اغتلت والد هذا فقتلته فبذلك أخذت فأمر به داود عليه السلام فقتل فعظمت بذلك هيبته في بني إسرائيل وشد به ملكه.

وقرأ ابن أبي عبلة بشد الدال وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ النبوة وكمال العلم وإتقان العمل، وقيل الزبور وعلم الشرائع، وقيل كل كلام وافق الحكمة فهو حكمة وَفَصْلَ الْخِطابِ أي فصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل فالفصل بمعناه المصدري والخطاب الخصام لاشتماله عليه أو لأنه أحد أنواعه خص به لأنه المحتاج للفصل أو الكلام الذي يفصل بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والصواب والخطأ وهو كلامه عليه السلام في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات، فالخطاب الكلام المخاطب به والفصل مصدر بمعنى اسم الفاعل أو الكلام الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف والإضمار والحذف والتكرار ونحوها فالخطاب بمعنى الكلام المخاطب به أيضا والفصل مصدر إما بمعنى اسم الفاعل أي الفاصل المميز للمقصود عن غيره أو بمعنى اسم المفعول أي المقصود أي الذي فصل من بين أفراد الكلام بتخليصه ومراعاة ما سمعت فيه أو الذي فصل بعضه عن بعض ولم يجعل ملبسا مختلطا.

وجوز أن يراد بفصل الخطاب الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخل ولا إشباع ممل كما جاء في وصف

كلام نبينا صلى الله عليه وسلم «لا نزر ولا هذر»

فالخطاب بمعنى الكلام المخاطب به كما سلف والفصل إما بمعنى الفاصل لأن القصد أي المتوسط فاصل بين الطرفين وهما هنا المختصر المخل والمطنب الممل أو لأن الفصل والتمييز بين المقصود وغيره أظهر تحققا في الكلام القصد لما في أحد الطرفين من الإخلال وفي الطرف الآخر من الإملال المفضي إلى إهمال بعض المقصود وإما بمعنى المفصول لأن الكلام المذكور مفصول مميز عند السامع على المخل والممل بسلامته عن الإخلال والإملال، والإضافة على الوجه الأول من إضافة المصدر إلى مفعوله وعلى ما عداه من إضافة الصفة لموصوفها، وما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه والشعبي وحكاه الطبرسي عن الأكثرين من أن فصل الخطاب هو قوله: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه فقيل هو داخل في فصل الخطاب على الوجه الثاني فإن فيه الفصل بين المدعي والمدعى عليه وهو من الفصل بين الحق والباطل، وجاء في بعض الروايات هو إيجاب البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه فلعله أريد أن فصل الخطاب على الوجه الأول أعني فصل الخصام كان بذاك وجعله نفسه على سبيل المبالغة، وما روي عن ابن عباس ومجاهد والسدي من أنه القضاء بين الناس والحق والإصابة والفهم فهو ليس شيئا وراء ما ذكر أولا، وأخرج ابن جرير عن الشعبي وابن أبي حاتم والديلمي عن أبي موسى الأشعري أن فصل الخطاب الذي أوتيه عليه السلام هو أما بعد، وذكر أبو موسى أنه عليه السلام أول من قال ذلك فقيل: هو داخل في فصل الخطاب وليس فصل الخطاب منحصرا فيه لأنه يفصل المقصود عما سيق مقدمة له من الحمد والصلاة أو من ذكر الله عزّ وجلّ مطلقا، وظاهره اعتبار فصل الخطاب بمعنى الكلام الذي ينبه المخاطب على المقصود إلى آخر ما مر، ويوهم صنيع بعضهم دخوله فيه باعتبار المعنى الثاني لفصل الخطاب ولا يتسنى ذلك، وحمل الخبر على الانحصار مما لا ينبغي إذ ليس في إيتاء هذا اللفظ كثير امتنان، ثم الظاهر أن المراد من أما بعد ما يؤدي مؤداه من الألفاظ لا نفس هذا اللفظ لأنه لفظ عربي وداود لم يكن من العرب ولا نبيهم بل ولا بينهم فالظاهر أنه لم يكن يتكلم بالعربية، والذي يترجح عندي أن المراد بفصل الخطاب فصل الخصام وهو يتوقف على مزيد علم وفهم وتفهيم وغير ذلك فإيتاؤه يتضمن إيتاء جميع ما يتوقف هو عليه وفيه من الامتنان ما فيه، ويلائمه أتم ملاءمة قوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ استفهام يراد منه التعجب والتشويق إلى استماع ما في حيزه لإيذانه بأنه من الأنباء

<<  <  ج: ص:  >  >>