بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أي بل أنتم أحق بما قيل لنا أو بما قلتم لنا، ولعلهم إنما خاطبوهم بذلك على تقدير كون القائل الملائكة الخزنة عليهم السلام مع أن الظاهر أن يقولوا بطريق الاعتذار إلى أولئك القائلين بل هم لا مرحبا بهم قصدا منهم إلى إظهار صدقهم بالمخاصمة مع الرؤساء والتحاكم إلى الخزنة طمعا في قضائهم بتخفيف عذابهم أو تضعيف عذاب خصمائهم.
وفي البحر خاطبوهم لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم حيث تسببوا في كفرهم وأنكى للرؤساء، وهذا أيضا بتأويل القول بناء على أن الإنشاء لا يكون خبرا أي بل أنتم مقول فيكم أي أحق أن يقال فيكم لا مرحبا بكم أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا تعليل لأحقيتهم بذلك، وضمير الغيبة في قَدَّمْتُمُوهُ للعذاب لفهمه مما قبله أو للمصدر الذي تضمنه قالُوا وهو الصلى أي أنتم قدمتم العذاب أو الصلى ودخول النار لنا باغوائنا وإغرائنا على ما قدمنا من العقائد الزائغة والأعمال السيئة لا أنا باشرناها من تلقاء أنفسنا.
وفي الكلام مجازان عقليان، الأول إسناد التقديم إلى الرؤساء لأنهم السبب فيه بإغوائهم، والثاني إيقاعه على العذاب أو الصلى مع أنه ليس المقدم بل المقدم عمل السوء الذي هو سبب له، وقيل: أطلق الضمير الذي هو عبارة عن العذاب أو الصلى المسبب عن العمل على العمل مجازا لغويا، وقيل: لا حاجة إلى ارتكاب المجاز فيه فتقديم العذاب أو الصلى بتأخير الرحمة منهم فَبِئْسَ الْقَرارُ أي فبئس المقر جهنم، وهو من كلام الأتباع وكأنهم قصدوا بذلك التشفي والإنكاء وإن ذلك المقر مشترك، وقيل: قصدوا بالذم المذكور تغليظ جناية الرؤساء عليهم قالُوا أي الأتباع أيضا، وقول ابن السائب: القائل جميع أهل النار خلاف الظاهر جدا فلا يصار إليه، وتوسيط الفعل بين كلاميهم لما بينهما من التباين ذاتا وخطابا أي قالوا معرضين عن خصومة رؤسائهم متضرعين إلى الله عزّ وجلّ رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ أي مضاعفا ومعناه ذا ضعف أي مثل وهو أن يزيد على عذابه مثله فيصير بتلك الزيادة مثلين لعذاب غيره، ويطلق الضعف على الزيادة المطلقة.
وقال ابن مسعود هنا: الضعف حيات وعقارب، والظاهر من بعض عباراتهم أن مَنْ موصولة، ونص الخفاجي على أنها شرطية. وفي البحر مَنْ قَدَّمَ هم الرؤساء، وقال الضحاك: هو إبليس وقابيل، وهو أنسب بخلاف الظاهر المحكي عن ابن السائب وَقالُوا الضمير للطاغين عند جمع أي قال الطاغون بعضهم لبعض على سبيل التعجب والتحسر ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا في الدنيا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أي الأراذل الذين لا خير فيهم ولا جدوى يعنون بذلك فقراء المؤمنين وكانوا يسترذلونهم ويسخرون منهم لفقرهم ومخالفتهم إياهم في الدين، وقيل:
الضمير لصناديد قريش كأبي جهل وأمية بن خلف وأصحاب القليب، والرجال عمار وصهيب وسلمان وخباب وبلال وأضرابهم رضي الله تعالى عنهم بناء على ما روي عن مجاهد من أن الآية نزلت فيهم، واستضعفه صاحب الكشف وسبب النزول لا يكون دليلا على الخصوص، واستظهر بعضهم أن الضمير للاتباع لأنه فيما قبل يعني قوله تعالى:
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ إلخ لهم أيضا، وكانوا أيضا يسخرون من فقراء المؤمنين تبعا لرؤسائهم، وأيا ما كان فجملة كُنَّا إلخ صفة رِجالًا.
وقوله تعالى: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل كما قرأ بذلك الحجازيان وابن عامر وعاصم وأبو جعفر والأعرج والحسن وقتادة استئناف لا محل له من الإعراب قالوه حيث لم يروهم معهم إنكارا على أنفسهم وتأنيبا لها في الاستسخار منهم، وقوله تعالى: أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ متصل بقوله تعالى:
ما لَنا لا نَرى إلخ، وأم فيه متصلة وتقدم ما فيه معنى الهمزة يغني عن تقدمها على ما يقتضيه كلام الزمخشري،