موضعه أنه في النداء خاصة يمتنع وصف اسم الإشارة إذا لم يستقل بالمضاف إلى المعرف باللام على أنه كثيرا ما يخالف في أحد الكتابين الكشاف والمفصل الآخر، والاشكال بأنه يلزم الفصل غير قادح فإنه يجوز لا سيما على تقدير استقلال اسم الإشارة اه. ولا يخلو عن شيء.
وقرأ ابن السميفع «تخاصم» فعلا ماضيا «أهل» بالرفع على أنه فاعل له قُلْ يا محمد لمشركي مكة إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ أنذرتكم عذاب الله تعالى للمشركين، والكلام رد لقولهم هذا ساحر كذاب فإن الإنذار ينافي السحر والكذب.
وقد يقال: المراد إنما أنا رسول منذر لا ساحر كذاب، وفيه من الحسن ما فيه فإن كل واحد من وصفي الرسالة والإنذار ينافي كل واحد من وصفي السحر والكذب لكن منافاة الرسالة للسحر أظهر وبينهما طباق فكذلك الإنذار للكذب، وضم إلى ذلك قوله تعالى: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ لإفادة أن له صلى الله عليه وسلم صفة الدعوة إلى توحيده عزّ وجلّ أيضا فالأمران مستقلان بالإفادة.
ومِنْ زائدة للتأكيد أي ما إله أصلا إلا الله الْواحِدُ أي الذي لا يحتمل الكثرة في ذاته بحسب الجزئيات بأن يكون له سبحانه ماهية كلية ولا بحسب الأجزاء الْقَهَّارُ لكل شيء.
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا من الموجودات منه سبحانه خلقها وإليه تدبير جميع أمورها الْعَزِيزُ الذي يغلب ولا يغلب في أمر من أموره جل شأنه فتندرج في ذلك المعاقبة الْغَفَّارُ المبالغ في المغفرة يغفر ما يشاء لمن يشاء تقرير للتوحيد، أما الوصف الأول فظاهر في ذلك غير محتاج للبيان، وأما القهار لكل شيء فلأنه لو كان إله غيره سبحانه لم يكن قهارا له ضرورة أنه لا يكون حينئذ لها بل ربما يلزم أن يكون مقهورا وذلك مناف للألوهية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وأما رَبُّ السَّماواتِ إلخ فلأنه لو أمكن غيره معه تعالى شأنه جاء دليل التمانع المشار إليه بقوله سبحانه: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] فلم تتكون السماوات والأرض وما بينهما، وقيل: لأن معنى رَبُّ السَّماواتِ إلخ رب كل موجود فيدخل فيه كل ما سواه فلا يكون إلها، وأما العزيز فلأنه يقتضي أن يغلب غيره ولا يغلب ومع الشركة لا يتم ذلك.
وأما الغفار فلأنه يقتضي أن يغفر ما يشاء لمن يشاء فربما شاء مغفرة لأحد وشاء لآخر منه العقاب فإن حصل مراده فالآخر ليس بإله وإن حصل مراد الآخر ولم يحصل مراده لم يكن هو إلها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وما قيل في برهان التمانع سؤالا وجوابا يقال هنا، وفي هذه الأوصاف من الدلالة على الوعد والوعيد ما لا يخفى، وللاقتصار على وصف الانذار صريحا فيما تقدم قدم وصف القهار على وصف الغفار هنا، وجوز أن يكون المقصود هو تحقيق الإنذار وجيء بالثاني تتميما له وإيضاحا لما فيه من الإجمال أي قل لهم ما أنا إلا منذر لكم بما أعلم وإنما أنذرتكم عقوبة من هذه صفته فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه، والوجه الأول أوفق لمقتضى المقام لأن التعقيب بتلك الصفات في الدلالة على أن الدعوة إلى التوحيد مقصودة بالذات بمكان لا ينكر ولأن هذا بالنسبة إلى ما مر من صدر السورة إلى هنا بمنزلة أن يقول المستدل بعد تمام تقريره فالحاصل فالأولى أن يكون على وزان المبسوط وفيه قوله تعالى: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [ص: ٥] فافهم.
قُلْ تكرير الأمر للإيذان بأن المقول أمر جليل له شأن خطير لا بد من الاعتناء به أمرا وائتمارا هُوَ أي ما أنبأتكم به من كوني رسولا منذرا وأن الله تعالى واحدا لا شريك له نَبَأٌ عَظِيمٌ خبر ذو فائدة عظيمة جدا لا ريب فيه أصلا أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ متمادون في الإعراض عنه لتمادي غفلتكم، وهذه الجملة صفة ثانية لنبأ والكلام بجملته تحسير لهم وتنبيه على مكان الخطأ وإظهار لغاية الرأفة والعطف الذي يقتضيه مقام الدعوة. واستظهر بعض الأجلة أن